أتراها الحاجة إلى إثبات أنهم باتوا مبدعين من الدرجة الموافق عليها، أم الأمر على سبيل التأكيد أن العمل بات صالحاً للتداول، وسواء قدّم له كاتب مشهور أو ربما من يدعي التمرس رغم أنه مغمور؟.
أسئلة لابد أن تخطر لكل من يقرأ مقدمات الكتب، لتكون الإجابة عليها (حتى وإن لم تكن كافية) لدى بعض الأدباء والشعراء ممن سألناهم أيضاً، عما إذا كانوا يفضلون اللجوء لمن يقدم لأعمالهم، وعن مواصفاته وسبب اختيارهم له، وإن كانوا شعروا بأنه استعرض مقدراته على حساب إبداعهم؟.
أيضاً، عن قناعتهم بضرورة التقديم حتى وإن وقع الاختيار على كاتب غير معروف.
اخترته لأنه خبير الأصوات الخفية في النصوص
موسى السيد: أديب وصحفي:
لجأت مرتين إلى تقديم ماكنت أنوي نشره، إلى كتّاب ونقاد، المرة الأولى عام 1978، حين قدّم الكاتب والناقد اللبناني المعروف، محمد دكروب لمجموعة قصصية حملت عنوان (أبراج سومرية) وكان ذلك في وقت مبكر بالمقارنة مع ما انتشر فيما بعد تحت تسمية /الواقعية السحرية في أدب أميركا اللاتينية/ لكنه اسماها حينها الواقعية الأسطورية، وهو رأي عرفت قيمته حين أنتج فيلماً سينمائياً من أجواء هذه الرواية في الدنمارك.
في حالة الأستاذ /دكروب/ هو من اختار تقديم المجموعة، وذلك عندما قرأ بالمصادفة إحدى قصصها فأعجبته، كنا نجلس في إحدى مقاهي بيروت حين سألني إن كنت أنوي طباعتها، وعندما أخبرته نعم، قدم لها وبعدها أقام لي وليمة مع أحد الأصدقاء..
تجربتي الثانية في التقديم، عندما طلبت من الأديب/ وليد معماري، كتابة مقدمة كتابي (عاشق من بلاد الأسطورة والشعر) وقد اخترته تحديداً لأنني كنت على يقين أنه خبير الأصوات الخفية في النصوص وفي كلتا الحالتين، لم أشعر أن السادة-الأدباء استعرضوا مقدراتهم على حسابي، فالقراءة الجيدة عناء حقيقي وليست مناسبة لاستعراض شخصي..
لا أعتقد بوجود سبب يدفع الكاتب لاختيار من يقدم لمؤلفاته إن لم يكن معروفاً هذا غير منطقي لأن الكاتب يتوقع في التقديم أن يضاف شيء ما إلى كتابه لا أن تكون المقدمة نزهة متعثرة في طريق غير معروفة الملامح..
القارئ العربي لايقدم لكتاب صاحبه مغمور
يسرى الصعوب- قاصة:
حين كتبت المجموعة القصصية الأولى (حديث ذو جنون) لم أجرؤ على طبعها قبل أن تتم قراءتها من قبل كاتب معروف، وقد أتيحت لي الفرصة لأعرضها على كاتبة روائية لها مكانتها في الساحة الأدبية- ظننت أن رأيها سيشجع القراء على قراءة مجموعتي التي ضاعت عندها وبعد سنة على وجودها بحوزتها.
الآن، ورغم مجموعاتي الأخرى التي لم يقدم لها أحد إلا أنني مازلت أعتقد بأن تقديم كاتب كبير للعمل الأدبي، سيعطيه حظه من الانتشار طبعاً إذا كان يتصف بالصدق والموضوعية، وهذا الاعتقاد ناجم عن كون القارئ العربي- إن وجد- لايقبل على قراءة كتاب صاحبه مغمور- وليس ثمة جدوى من تقديم لايحقق هذا الغرض.
النص الشعري هو من يقدم نفسه
شادي صوان- شاعر:
كان ذلك في المرحلة الأولى، حيث جاء التقديم وليد الحاجة الذاتية، ولم يكن تقديماً بالمعنى الحرفي، وإنما كان محاولة لخلق مفاتيح للولوج إلى نصوصي الشعرية، أو بالأصح، إلى عوالمي الشعرية لأن النص الشعري بالنهاية هو من يقدم ويعرف عن نفسه.
لقد قام بمهمة التقديم في هذه المرحلة، الأستاذ (رفعت عطفه) وبما يمتلكه من حسٍ أدبي عالٍ وتذوق لألوان الشعر، إضافة إلى ثقافته المتخصصة والمستمدة من بيئته ودراساته الأكاديمية والمعرفية.
لقد كان اختياراً متبادلاً حيث وجد بي وكما قال بعد أن قرأ ديواني الأول (أول الرقص) شاعر ذو موهبة وسيترك بصمته إن بقي على قيد الحياة مخلصاً لأعماله.
أما اختياري له، فكان نتيجة لما وصفته آنفاً عن ثقافته وحسه العالي، إضافة إلى أنه كان يدير أحد أهم المنابر الثقافية، وهو مركز ثقافي- مصياف- بالنسبة لقضية أنه استعرض مالديه على حسابي، فلا أعتقد ذلك لأنه كان أذكى وقد قام بإعطاء مفاتيح وحسب.
حالياً لا أظن أنني أرغب بأن يقدم لأعمالي لا كاتباً مشهوراً ولاسواه، وإن حدث ذلك بإرادة ما، فسيكون بطاقة شرف معلقة بذيل الكتاب.
أؤمن بالنص فقط
فائزة داوود- كاتبة روائية:
لجأت إلى من يقدم لأعمالي مرتين، الأولى حين أرسلت رواية (طريق العودة) إلى دار نشر لبنانية وقدمها صاحب النوبل الروائي (نجيب محفوظ) والثانية كانت لرواية (العرمط) حيث قدمها الفيلسوف الشاعر اللبناني الكبير (جورج جرداق)، وهنا لابد أن أشير إلى أن تقديم الروائي والفيلسوف قد شكلا عبئاً أو لأقل شعوراً بالمسؤولية، جعلاني أجتهد من أجل نصوص أفضل، وأنا مدينة لها بما منحاه لي من ثقة كنت أحتاجها في حينها لأنهما وبكلمات بسيطة، دفعاني إلى خوض التجربة الروائية التي كنت في مراحلها الأولى..
أما عما إذا كنت أؤمن بالتقديم، فجوابي لا أبداً أنا أؤمن فقط، بالنص وأقول ربما كان التقريظ أو التقديم لايخدم النص أحياناً وذلك حين يكون الأخير دون مستوى التقديم بكثير، لكن تقديم الأديبين الكبيرين لرواياتي فقد كان رمية من غير رام.. أو هي الصدفة لأنني ماسعيت إليهما رغم أنني فخورة بشهادتهما وتشجيعها، وأتمنى أن أصل إلى النص الحلم الذي أعمل لبلوغه.
وعن قبولي بأن يقدم لي من هو غير معروف، فكما قلت: أنا لا أؤمن بأي تقديم، أنا أؤمن بالنص فقط، ولا شيء آخر رغم تقديري أحياناً بأن التشجيع والإشارة إلى الموهبة الحقيقية من قبل أديب له باع طويل وخبرة في مجال الإبداع، قد يشكل حافزاً لصاحب الموهبة الحقيقية وخاصة في الوسط الأدبي العربي الذي يهمل أحياناً الموهبة الجديدة ولايعطيها أي اهتمام- وهنا لابد من الإشارة إلى أن ثمة من يحاول تغييب هذه الموهبة وإظهار المدّعين.
لايخلو الأمر من إقحام عنصر ذاتي
سوسن حسن- روائية:
في رأيي إن التقديم للكتب لايقتصر على كلمة الغلاف، أو مايكتب في بداية الكتاب من قراءات أو ملاحظات حول الكتاب، بل هنالك أشكال أخرى من التقديم، منها ما يكتب في الصحف كقراءة تتم الإضاءة على الكتاب بواسطتها، وهذه يمكن إدراجه ضمن الكتاب نفسه في طبعات لاحقة، ومنها ماتقوم به دور النشر في نشراتها الإعلانية من تقديم للأعمال التي تصدر عنها، كذلك البرامج التي تعنى بعرض الكتب في الوسائط المتعددة، كما يمكن إضافة أسلوب جديد في تقديم الكتب يتبع حالياً في بعض المقاهي الثقافية التي يزداد حضورها في الكثير من البلدان، في المحصلة كل هذه الطرائق تصب في الدعاية والترويج والشهرة، لأننا غالباً مانلمس المنحى التقريظي بالعمل، خاصة بالنسبة للكتب الأدبية فهنا يمكن للذائقة الشخصية أن تلعب دورها باعتبار أن العمل الأدبي يمكن قراءته قراءات عديدة، أما التقديم للكتب البحثية فأمره مختلف بعض الشيء، إذ يفترض أن يكون التقديم لها موضوعياً من خلال الإضاءة على المادة التي يحتويها الكتاب، وأسلوب البحث الذي اتبعه المؤلف، وذلك من أجل إعانة القارئ على المباشرة السليمة للكتاب، طبعاً لايخلو الأمر حتى هنا من إقحام عنصر ذاتي ولو بنسبة قليلة إلى التقديم.
بالنسبة إلى عملي الأول «حرير الظلام» لم يقدم له على الغلاف، ولافي أول الكتاب، إنما قام بعض الأدباء بالكتابة عنه، مشكورين، في الصحف بعد أن كنت قد أرسلت لهم نسخاً منه وهذا عرف في الوسط الثقافي، أن يقوم الكاتب بإهداء نسخ من أعماله لمن يعنون بالشأن الثقافي، طبعاً كانت كل مادة تنشر معنية بكتابي تسعدني بالتأكيد.
العمل الثاني «ألف ليلة في ليلة» قدم لي كلمة الغلاف الصديق الروائي والناقد «نبيل سليمان» بعد أن قرأ مخطوط العمل، وهو من الكتّاب الذين أطلب منهم قراءة أعمالي قبل إرسالها إلى النشر، وأعول على رأيه، كما قام عدد من الكتاب والأدباء، مشكورين أيضاً بالكتابة عن العمل في الصحف، مثلما قدم له كإضاءة حوارية مرة على إحدى الفضائيات، ومرة في برنامج إذاعي، وهذا تقديم آخر، أما العمل الثالث الذي لم يطرح إلى التداول بعد، فهو قيد النشر، فقد كتب لي كلمة الغلاف الكاتب المغربي «سعيد بنغراد» بعد أن أرسلت له المخطوط ليقرأه أيضاً.
في كل الحالات، كنت سعيدة بما كتب عن أعمالي، خاصة أن من كتبوا هم أدباء لديهم مكانتهم في الوسط الثقافي، صحيح أن معظم الكتابات كانت ترضي نزعة معينة لدي، وهذا أمر طبيعي، فمهما بلغ الإنسان من الأهمية والشهرة والعرفان بمكانته في ميدان أو أكثر، يبقى الإطراء يدغدغ نرجسية لا أظن أن أحداً لايحملها في داخله بدرجة أو بأخرى، لكن حتى لو كانت الكتابة تحمل نقداً صارماً يشرح العمل على أسس موضوعية، لا أظنه سيزعجني، فهو بالنتيجة يلفت النظر إلى العمل، ويفيدني في أعمال قادمة، طبعاً بالنسبة لمن قدم لأعمالي لم ألمس أنهم كانوا يستعرضون على حساب العمل، فهم ليسوا بحاجة إلى ذلك خصوصاً أن الكاتب منهم لم يصل إلى مكانته الحالية إلا بعد جهد سنوات وقد حققوا شهرة في الميدان الثقافي، لكن هذا لايعني أن كاتب التقديم في بعض الحالات لايقوم باستعراض كهذا، بل هو أمر وارد، بالنتيجة الكاتب يقدم نفسه أيضاً من خلال كتابته عن العمل.
صحيح أنه يسعدني أن يقدم لأعمالي كتّاب مهمون، لكنني بالمقابل لا أرفض أن يقدم لها كتّاب مغمورون، لأن كل تقديم سيقدم إضاءته الخاصة على العمل، وسيساهم في لفت النظر إليه.
كتب الشعر لاتحتاج إلى مخاتير الكلام
زهير محفوض- شاعر:
يلجأ الكتّاب والشعراء إلى أسماء معروفة لتقديم أعمالهم، وبهدف الترويج للكتاب وهو ما أراه يشبه العلامات المسجلة.
بالنسبة لي لم أستطع اللجوء إلى شخص معين لتقديم عمل من أعمالي، وذلك لإيماني بأن كتب الشعر لاتحتاج إلى مخاتير كلام، كي تسجل شهادة ميلادها.
أحياناً تحتم الصداقة أشياء كثيرة أهمها الحفاظ على الأصدقاء، لذا قدم لي صديقان محبتهما وبعدها لم أسمح لأحد غيري بقطع مشيمة ولدي لأنني أحق بذلك..
أخيراً.. حتى وإن لم يكن من حقنا تعميم هذه الإجابات والآراء على كل ماخطر ويخطر لنا من أسئلة تتعلق بمقدمات الكتب، إلا أن من واجبنا احترامها واعتبارها آراء شخصية، ولأدباء وشعراء لايمكن لمن يقرأ أعمالهم إلا أن يحترمهم ويقرّ بمكانتهم الإبداعية.