والقسم الآخر، إرادي ملحوظ ومن هنا جاءت المصاعب في تحديد أساليب التعامل مع الضغوط.
فالعبرة ليست بالأحداث التي تمر بالإنسان لكن العبرة بكيفية تعامل الإنسان مع هذه الأحداث.
ففي جميع المجتمعات نجد أن المثقف ورجل الدين أو المفكر... الخ هو ذو العبء الأكبر في توعية أبناء مجتمعه في الأيام العادية فكيف في الملمات التي تمر على هذا المجتمع، وما تمر به بلادنا في هذه الأيام يجعلنا بأمس الحاجة إلى هذا الدور لبث روح الوعي لدى الشعب.
وحول هذا الموضوع يتحدث الشيخ حسن الحكيم كاتب ومؤلف مسلسل وادي السايح الذي يعرض حالياً على الشاشة الذي كان له دور إيجابي في نشر الوعي في مدينة حمص يقول:
عندما كان المجتمع السوري يتطلع لحياة اجتماعية أفضل ليتخلص من حالات مر بها من تهميش ،دخل على الخط مجموعة غريبة الأفكار ليس لها مطالب واضحة، لكنها تحت عنوان هذه المطالب قررت أن تمزق النسيج الاجتماعي، وعلى الأقل هذا ما شهدناه في مدينة حمص وبقية المدن الأخرى وفي الحقيقة إن جميع الوطنيين في حمص متفقون أن سورية ماضية نحو حل هذه المشكلات التي عانى منها المجتمع.
وقد استجاب الرئيس الأسد للمطالب وهو قائد ثورة التغيير، لتأكيده أن كثيراً من المطالب محقة، ما فاجأ المتآمرين الذين ركبوا مركب الاحتجاج بسحب البساط من تحت أقدامهم، فلجؤوا إلى حرب إعلامية تقوم على الإشاعات وخلق بلبلة أخذت أشكالاً متعددة، أمقتها كان تلك الدعوات الطائفية والفئوية لما لها من دور تخريب المجتمع.
ومع ذلك استطعنا أن نحافظ على قدر كبير من الانضباط خشية الانزلاق في هذه المؤامرات، لكن المتآمرين صعدوا الموقف وبعض المجرمين نفذوا جرائم قتل لها عناوين طائفية، تحركنا فيها على الفور بحراك ثقافي واجتماعات مصالحة لرأب هذا الشرخ الذي أراد هؤلاء المتآمرون وضعه في مجتمعنا، ووجدنا أن مجتمعنا لم تنطل عليه هذه المؤامرات.
انقلاب السفينة على الفقيه
هل تعتبر أن فصول هذه المؤامرة انتهت على المستوى الاجتماعي؟
ليس بعد فالإعلام الغربي والفضائيات المشبوهة التي تضامنت لتصوغ مؤامرة جديدة على الصعيد الفكري ستأخذ شكلها الديني وأنا أسميتها انقلاب السفيه على الفقيه، فراحت هذه المحطات تسعى جاهدة لتحطم المرجعيات الفكرية والثقافية والدينية من أجل تقليص مفعول المنطق الفكري والثقافي الوطني بهذه المرجعيات وتستبدل ذلك بخطاب فيه من السفاهة والخطاب المتشنج ما يؤثر على وحدة النسيج الاجتماعي السوري.
ويصح الخطاب الاجتماعي الذي كان من المفروض أن يتصدره المنطق السياسي والعقلية الإصلاحية، فيتحول إلى خطاب تحريضي يسعى إلى استغباء الشارع وتحويله إلى شارع انتقامي يخرب البلد بدلاً من أن يصلحها.
كيف ذلك؟
يقول أحد الحكماء:(إنه لمن سوء الحظ أن لا ندرك ماذا يراد بنا)
فثمة من يريد أن يصرفنا عما ينبغي أن نفعله إصلاحياً للبلد وما نفكر به من طرق لتحديد مصير مجتمعنا وأحلام أبنائنا، فيكون للعميل الخائن وأخيراً السفير المستعمر، ليدفعنا إلى فعلٍ نعتقد أنه راق ٍجداً وعظيم ومشرف فإذا بنا نتحرك لنجعل الأعداء يصبون هدفهم في تدمير بلدنا من دون أن نشعر أن هذا النوع من المؤامرات يتطلب أن ينقسم المجتمع على نفسه ويصبح كل قسم محاصراً بأفكار تملى عليه من الغير، ويبدأ بالاعتقاد أن غريمه وعدوه من كان شريكه بالأمس في هذا الوطن، ثم تأتي حرب الشائعات لتثير الانزعاج والغضب والحقد ويكون مصدر هذه العداوة بين أفراد المجتمع أوهاماً وأسباباً غير حقيقية زرعها المتآمرون ولكن بطريقة إعلامية اجتماعية.
كيف واجهتم في حمص هذا النوع من المؤامرات؟
أهل حمص لهم خصوصية، وطبيعة العلاقات فيها متشابكة ولا أخفيك سراً أننا اكتشفنا أن معظم المحرضين ممولون من الخارج ورغم الشروخ التي زرعتها المؤامرة فقد تحركنا كنخب دينية وثقافية وفكرية نحو البيوت ونحو الحارات واجتمعنا بوجهاء الأحياء التي خرج فيها هؤلاء وأتى المتآمرون ليقوموا بإلغائهم أو إجبارهم على المشاركة وهذا ليس سراً. فكل الفضائيات المغرضة تظهر هؤلاء المتظاهرين وهم يستفزون الناس للمشاركة معهم، خذي مثلاً شعارهم( مافيه ناموس اللي ما بيشارك) إذاً هي حركة تسول المشارك بل تتهم من لم يشارك وتشتمه.
طبعاً قلنا دائماً لإخواتنا في حمص وفي كل الاجتماعات، أيها المواطن السوري انتبه إنه عندما يدعوك أحدهم للصلاة رغم أنه لا يوجد ما هو أعظم عند الله من الصلاة، لكن عندما يدعوك للصلاة والحريق يأكل بيتك وأهل بيتك، هل تعلم أنه يدعوك لخيانة بيتك وأهل بيتك، هل تصلي وبيتك يحترق، فالاهتمام بغير إطفاء النار وإنقاذ البيت والأولاد الذين يعيشون في هذا البيت هو خيانة، إن الانصراف عن بيتك المحترق إلى عملٍ آخر مهما كان مقدساً ما هو إلا غباء أو خيانة وعليك أن تختار في أي موقع أنت موقع النباهة أو الغباءة موقع الشرف أو الشجاعة أو موقع الخيانة والنذالة والهمالة.
نعم سورية تحتاج إلى إصلاح ونحن السوريين مصرون على الإصلاح لكن تمزيق المجتمع السوري وحرق مؤسساته العامة وتدميرها لا يمت بصلة إلى الإصلاح، هو عمل يندرج تحت عنوان الخيانة فقط، ومن هنا وجدنا أن الشارع الذي اجتمعنا به كان يتجاوب مع هذا الكلام.
فالسوريون يمتلكون من الوعي ما يكفيهم أن يحافظوا على وطنهم وبقي في الشارع فقط المأجورون والذين لاتزال الهجمة الإعلامية تسيطر على عقولهم والدعم الأميركي الصهيوني يملأ جيوبهم بالمال المشبوه وأرى أن الشارع يتعافى من هذه الهزة العارضة.
- ما الأسباب التي برأيك دفعت البعض إلى أن ينغمس في هذه المؤامرة، وهل هي أسباب اجتماعية أم سياسية؟
- -لا شك في أن الأسباب بدأت اجتماعية وتحولت إلى سياسية وربما أن من أهم ما يجب أن نفعله في إصلاح سورية هو عملية دعم الحراك الاجتماعي بوجهيه الثقافي والاقتصادي أي بمعنى أصبح على الدولة أن ترعى نشاطاً ثقافياً يؤسس لعلاقات اجتماعية تسمى في علم الاجتماع خلق فريق عمل محلي يعني تصوري أن ابني درس الابتدائية والإعدادية والثانوية وليس لديه أي صورة جماعية مع أقرانه في الحي والذين يدرسون معه لا كفريق مسرحي ورياضي و نشاط اجتماعي..الخ لم تتم دراسة هذه المجتمعات البسيطة التي تمتلك تاريخياً خصوصيات العمل الاجتماعي الاقتصادي والذي يعتبر عالمياً من أهم مصادر الدخل عند الأفراد في العالم فقد تم تجاهل هذه الصناعة الاجتماعية الاقتصادية واليوم نحتاج إلى إعادة نبش هذه الخصوصيات الاقتصادية بحيث تكون العلاقة الاجتماعية ذات مردود اقتصادي اكتفائي.
ومع كل ما جرى فالشارع السوري يدافع من وطنيته أقوى من أن يمضي بعيداً خلف هذه المؤامرة.