تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفيلم الياباني ...لا أحد يعرف...عندما لا يسمح لهم بالحياة إلا على طريقتنا !.

ثقافة
الثلاثاء 29/11/2005م
من خلال فكرة مبتكرة يأتينا الفيلم الياباني محملا بتلك التفاصيل السينمائية التي تحمل الينا حالات انسانية لايمكنك أن تقف أمامها حياديا..خاصة وأن تلك الام التي انجبت أربعة أطفال من آباء مختلفين هي أم غير اعتيادية اذ أنها تترك أطفالها لأقدارهم.

منذ بداية الفيلم يقدم لنا هذه الأم وكأنها من عالم آخر مليئ بتناقضات تنعكس جميعها على أطفالها الكائنات الأضعف , انها تحملهم إلى المنزل الجديد في حقائب حتى يبدو أنهم دمى لكن لا تحركهم كيفما أرادت انها تتركهم يتحركون عشوائيا, في البداية يبدو اننا أمام حالة عائلية غريبة ومربكة ان الام تحدد قوانينها الخاصة اذ انها تمنعهم من الخروج ليس من المنزل فقط بل حتى إلى الشرفة ,الوحيد المسموح له بالخروج هو اكبر اولادها , نعرف فيما بعد لماذا سمحت له , انه الوحيد الذي لايحل محلها فقط , بل انها حتى في الوقت القصير الذي قضته معهم كان هوالذي يدير حتى شؤونها وهو الطفل الذي لايتجاوز عمره الثانية عشرة . ورغم ذلك فانها لاتقبل بالاستمرار في هذه الحياة اذانها تقع في الغرام مجددا كما يقول لها ابنها , الذي ينتقدها على أنانيتهاوعندما يسألهامتى ستخبر صديقها الجديد بوجودهم فانها لاتهتم, وتتركهم مجددا ,واذ كانت سابقا قد تركتهم لشهر مع مبلغ صغير من المال فانها هذه المرة على مايبدو تتركهم إلى غير رجعة , ومن هنا تبدأ أحداث الفيلم لتأخذ منحى آخر فاذ كانت في غيابها الأول قد تمكن الاطفال من تدبير أمورهم الحياتية فانهم هذه المرة وبعد أن نفذ المال منهم فانهم لايتمكنون من الصمود طويلا هاهو الفيلم يقدم تلك اللمحات المليئة بالمعاناة والتي لا يمكن احتمالها , خاصة وأنهم لايفتقدون المال فقط بل كل شئ , انهم يفتقدون كل مايمكنه ان يشعر الانسان بالاطمئنان والامان ومع ذلك ورغم ضعفهم فانهم يحاولون الاحتيال على امكانيات العيش خاصة الأخ الاكبر(آكيرا) الذي سلمته والدته الاولاد ورحلت , هذا الصغير يبذل اقصى ما يستطيع حتى نكاد ننسى أنه طفلا سوى في تلك اللحظات التي يذكرنا بها من خلال بعض التصرفات الطفولية والتي تبدو عفوية تخرجه قليلا عن تلك المعاناة الكبيرة التي بدأت تحيط به خاصة بعد أن نفذ المال نهائيا وبدا أن كل شئ خارج عن السيطرة , لقد قطعت الكهرباء والماء والغاز , واصبح المنزل بحال مزرية والمشكلة أنهم حافظوا على قوانين والدتهم التي منعتهم من الخروج من المنزل , وكانها رغم أنها أنجبتهم الا أنها منعتهم في الوقت ذاته من الحياة , لقد حوصروا لوقت طويل في هذا المنزل المستأجر والذي بدا كل مافيه متعفنا وخانقا وبدت محاولات الاطفال في الحياة ميؤسا منها فهاهي أصغر الأطفال تسقط أرضا وتموت ميتة لاتبدومؤلمة فحسب , بل انها تبدو وكأن امها قتلتها تلك الام التي لم تعد ترسل المال ويبدو وكأنها نسيت اولادها وانصرفت لحياة اخرى.لايستسلم (آكيرا) لما حدث لأخته الصغيرة ويعتقد أن بامكانه ان يعيدها للحياة ان هو أحضر لها الشوكولا التي طالما احبتها كثيرا واحتفظت بحبيباتها وكأنها لقية ثمينة تأبى التفريط بها , الكمية الكبيرة التي يحضرها الاخ لاتتمكن من ايقاظها وعندما يوقن ان لاامل يضعها في احدى الحقائب التي كانت امهم قد وضعتهم فيها منذ البداية , ولكن لم تكن حقيبتها اذ انها كبرت كثيرا عن الوقت الذي قدمت فيه إلى هذا المنزل الذي بدا وكأنه تابوت للجميع , وهي الوحيدة التي فارقته إلى مكان آخراختاره لها أخوها قرب المطار , وكأنه نفذ لها رغبتها بالانتظار الدائم الذي كانت تقوم به موقنة بعودة والدتها هذه العودة التي أخرجتها في عيد ميلادها من المنزل , وكأن الأخ يخرجها إلى الحياة للمرة الأولى , مشهد الدفن يبدو فيه هذا الطفل آكيرا وهو ينبش التراب بيده مع تلك الصديقة التي جمعتهما الظروف السيئة نفسها , وكأنهما لايحفران قبر الصغيرة فقط بل انهما يدفنان روحيهما التي لم تعد قادرة على احتمال تلك المآسي وهي في هذه السن الصغيرة .الفيلم ومن خلال تركيزه على البعد الانساني لحالة أولئك الأطفال الذين تكمن عمق مأساتهم في ان لا ذنب لهم في كل ما يحدث , ويهتم الفيلم أيضا بتقديم هذه الحالة من خلال تفاصيل ركزت كثيرا على البعد الداخلي والخارجي لتلك الشخصيات الموجوعة والتي مهما حاولت الاحتيال على الحياة فانها لاتخسر فقط طفولتها وانما حياتها , وهي التي تحيا بلا أي أداة تمكنها من الحياة وهي ان عاشت اولا فان لا أحد يشعر بها لان لااحد يعرف بها لازال الصغار وبعد ان سمح لهم آكيرا بالخروج من المنزل او التابوت المؤقت يحتفظون بتعاليم والدتهم , وان كان الفيلم ينهي مأساة الأطفال وهم لايزالون يحاولون الاحتيال وايجاد اساليب تمكنهم من الحياة فاننا لانتمكن من الاقتناع بجدوى اساليبهم ونحمل بعد انتهاء الفيلم حقدا دفينا على تلك الام التي فجرت هذه الماساة.‏‏

رغم ان الفيلم احتفظ حتى النهاية بآلام اولئك الصغار وحاول من خلال لمحات اخراجية اعتمدت الواقعية أن يجعلهم في سعيهم نحو الحياة يختلقون أساليب خاصة بهم , الا انه ومن خلال ذلك استطاع ايجاد سينما وان كانت اعتمدت على التفاصيل إلى حد مدهش الا أن اعتمادها هذا الممزوج بحس انساني عال المستوى جعل من الفيلم حالة سينمائية ممتعة حملت لمحات اخراجية وضحت عمق المعاناة في تلك الاجواء واللقطات البعيدة للصغار وهم بين الآخرين الذين لايشعرون بهم ولايرونهم لانهم لايعرفون بقصتهم .‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية