تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معمرة من الجولان:أتابع التلفاز وأصنع المونة بنفسي ولا أضع النظارات

الجولان في القلب
الأثنين 15-8-2011
لقاء: سوسن خليفة

يدهشك حديثها السلس والمركز وتستغرب أكثر عندما تعلم أن عمرها يقارب الـ 95 عاماً وتتمتع بصحة جيدة وذاكرة طيبة وبصرها شبه عادي ولا تضع نظارات، إنها رمزية حيدر الصافي أكبر معمرة

من عين فيت كما يسمونها وحتى يومنا هذا تقوم بتجهيز المونة للبيت من برغل وقمح وملوخية وعدس.‏‏

لن أنسى الجولان‏‏

وقد شاءت المصادفة أن نراها وهي تنقي القمح وتقول أحب الجولان وأرض الجولان وإذا ماقدر لي أن أعيش قدر عمري الذي عشته لن أنسى حياتي على أرضه..‏‏

وتعود الذاكرة برمزية المعروفة بأم هايل إلى عمر الأربع سنوات حيث تقول: كنت أذهب مع أبي إلى البستان ويكون قد جمع الحشيش في مكان معين ويقول لي يابيّ هون الحشيش خذيه وارميه «برة الحوض» وبعدها كمكافأة يسألني ماذا تريدين وأقول: «حوش لي العنقود يلي على الشمس» وأعني العنب المستوي الحلو.‏‏

وتتابع حديثها بالقول: أهلي يشتغلون كل شيء والفلاح يأخذ كل عيلته معه إلى العمل ولايبقى إلا الطفل الرضيع وكان يوجد لدينا ثلاث بقرات للحليب واللبن والطبخ في اللبن من الأكلات المميزة لدينا وأتذكر منزلة الباذنجان باللبن، ونظرت أم هايل إلى كنتها التي تستمع إلى حديثها وقالت هذا الجيل لايعرف أكلاتنا.. إنه يعرف الأكل الحديث على القبان والدقة والمعايير، أكلاتنا ماعادت تعجبهم.‏‏

وتتابع أم هايل حديث الذكريات بدقة متناهية وتقول: لم يكن لدينا برادات وبرادنا على مية العين فهي بمثابة البراد نضع الجرة والخضة للبن، نصب المي من الجرة على الخضة حتى تفوش الزبدة على وجه اللبن ونعمل كشكة ونحوش فول وبازليا ولا نشعر بالتعب لأن الأكل طيب والأرض مثل السهل أمامنا كيفما نظرنا نرى الورود، ومما أتذكره وجود 30 نوعاً من الورود أشهرها الورد الجوري الأصلي ذو الرائحة الطيبة.‏‏

الكبكة برادنا القديم‏‏

وتلتفت أم هايل وتقول لم تسأليني عن براد الطعام وتابعت تقول: لدينا مايعرف بـ (الكبكة) وهي عبارةعن مجموعة عيدان من الخشب مثبتة بشكل طولي وعرضي على شكل مربعات ضيقة لوضع أواني الطعام بعيداً عن النمل والحشرات وتعلق في سقف الغرفة وتتعرض للهواء بشكل مباشر وطبيعي وهذا هو برادنا القديم وهناك «المكبة» وهي مثل «القفة» تصنع من عيدان الشجر مخصصة لأواني الحليب واللبن وطبخ أكلات اللبن وأضافت مازحة الله يهني كنتي لديها البراد وغيره.‏‏

والحديث مع أم هايل ممتع جداً، كانت تتحدث معي وتتابع طريقة تحضير إحدى الطبخات على التلفزيون فقلت لها: يبدو أنك تحبين الطبخ حتى الآن، فقالت ضاحكة أتابع كيف يطبخون وإذا كان الشغل بنظافة فهناك من يطبخ على شكل هات إيدك والحقني.. والطبخة إذا لم تكن على أصولها ليست طيبة ويتدخل ابنها بالحديث ويقول والدتي تطبخ حتى الآن وهي تصنع كل مونة الشتاء فتقاطعه بالقول: كنت أشك البامية بالخيطان وأعلقها بمسمار على الحيط حتى تأخذ الهواء بعيداً عن الشمس ونسمي هذه الطريقة «التقديد» وأيضاً أقسم البندورة نصفين وأضع عليها الملح وأعرضها للشمس حتى تجف وأحفظها في مكان نظيف وأضعها في القطرميز.‏‏

وأضافت كنا نيبّس التين المشقق لأن صاحب الرزق لايحب أن يبيعه حتى لايكسر السعر، نجففه بوضعه على السطوح وتحته «طقطيعه» وهو حشيش يابس، وبهذه الطريقة كنا نجفف التين.‏‏

صنعت تنوراً‏‏

وتحدثنا أم هايل عن شدة محبتها لخبز التنور لأنه يذكرها بطفولتها وقريتها في الجولان الحبيب وتقول: أصريت بعد النزوح على صنع تنور بيدي مكان سكني في الشام وقد جلبوا لي «الحقاتة» أي حجر البيت وهو مايعرف بـ «الحال» وخلطته مع الشعر وخيطان القنب وعجنته بالطين ورتبت صف من الأحجار بجانب بعضها بشكل دائري وسكبت معجون «الحال» ثم وضع الأحجار وفوقها «الحال» حتى أصبح حجم التنور الذي أريده وبقيت أخبز على التنور كي يأكل أولادي لأنهم غير متعودين على خبز الأفران، وتضيف أول رغيف خبزته على التنور كان عمري أربع سنوات فقد كنت أجلس أمام ستي وأنظر كيف ترق الرغيف وتضعه على التنور وجعلتني أخبز الرغيف وقالت لي ستأخذيه لأبيك وهي تعرف أن والدي يحبني كثيراً وذهبت إلى البيت وخبأت رغيف الخبز حتى جاء والدي من القنيطرة وقال: من صنع هذا الرغيف قلت أنا وضحك وقال لأمي شوفيها..وبتقولوا لي لماذا أحبها.. وتضحك أم هايل وتقول كان والدي رحمه الله يفضلني على أخوتي لأنني كنت شاطرة بالحكي وأغلبهم وبالعمل أشطر منهم.‏‏

ومرت على شاشة التلفزيون الذي تتابعه أم هايل وتتحدث معنا صورة بقرة في الحقل فتحت عيونها ونظرت بقوة وقلنا ما الخبر.. فقالت عندما أرى البقرة أتذكر البقرات التي باعها زوجي- فقد كان لدينا خمس بقرات- ولم أعرف أين ذهب بثمنها!!.‏‏

وأم هايل تحمد ربها أنها واعية على كلامها ولم تفقد ذاكرتها؟.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية