عسكرياً وسياسياً، وبعض خياراته قائم على غزو بري محدود أو تقسيم ليبيا إلى شرقية وغربية، والبعض الآخر قائم على الاستمرار في العمليات العسكرية رغم أوجاعه وتكاليفه.
الإحباط هو الشعور السائد لدى الغرب، وأوباما « المحارب المتردد» يواجه انتقادات قوية من الحزبين لأنه تجاهل الحصول على مصادقة الكونغرس الأميركي على العمليات العسكرية في ليبيا.
وكان مجلس النواب الأميركي قد وجه في نهاية حزيران الماضي صفعة إلى الرئيس باراك أوباما، برفضه نصاً يجيز التدخل العسكري في ليبيا بعدما رفض الرئيس الحصول على موافقة الكونغرس لإضفاء الشرعية على هذا التدخل.
لكن الإحساس بالإحباط تزايد عندما قررت ايطاليا التي تواجه صعوبات كبيرة في الموازنة سحب حاملة الطائرات« غاريبالدي» من العمليات العسكرية في ليبيا بهدف توفير أكثر من 80 مليون يورو.
أكبر المحبطين، كان ولايزال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أراد أن تكون الحرب على ليبيا خاطفة وسريعة، لكن الرياح لم تأت على ما يشتهيه، الرئيس الفرنسي ولم يتوقع هو، ورئيس دبلوماسيته المتعجرف آلان جوبيه وأركان جيشه أن تدوم الحرب طويلاً.
فالاستخبارات الفرنسية في بداية الحرب أكدت أن آلافاً من قوات القذافي ستنشق عنه إثر الضربات الجوية الأولى، وتوقعت أن يتقدم المعارضون المسلحون سريعاً نحو سرت مسقط رأس العقيد القذافي، وأن الزعيم الليبي سيضطر إلى التنحي سريعاً، لكن جميع التوقعات لم تكن في محلها.
يقول ضابط فرنسي:« قبل أسابيع من الضربات الجوية، توسلنا بوسائل استخبارات مهمة: ثلاثة أقمار اصطناعية تجسسية مرت يومياً فوق ليبيا، ورصدت غواصة في مكان غير بعيد في طرابلس اتصالات القذافي، واستعنا بالقوات الخاصة ومدت قنوات تواصل بين قوات الأمن الخارجي ومحتجي بنغازي، لكننا أسأنا تقدير القذافي وتقويمه... ولم يحسب أحد أن المعارضة الليبية غير مهيأة للعمل العسكري، ويرى قائد الجيوش الفرنسية الأميرال إدوار غييو، أن المحتجين في حال تبعث على الشفقة، منهم من غير كفاءات عسكرية، ولم يتوانوا عن نفخ الذعر في العواصم الغربية« فعند وقوع حادثة صغيرة، يسارعون إلى الاتصال ببرنار هنري ليفي عراب الثورة الإسرائيلي، ومقر الاليزيه وداونيغ ستريت« مقر الحكومة والرئاسة البريطانية»، ويقسمون أن مئات الدبابات تتوجه نحوهم، ويطلبون مساعدة الناتو السريعة فنسارع إلى ارسال مقاتلات جوية وطائرات رصد، ولكن في معظم الحالات تبين أن إنذار المعارضة خاطئ.
فبعد أشهر عديدة وآلاف الضربات الجوية ، مازال القذافي في منصبه بعدما عول الرئيس الفرنسي كثيراً على العمليات العسكرية لبعث مجد فرنسا الضائع ومكانة سياستها الخارحية وترميم صورتها العاجزة أمام بلد سيء التسليح رغم شن طائرات/ رافال/ الفرنسية ضربات على قوات القذافي.
هذا الاحراج الواضح في سياسة فرنسا وعدم تمكنها من الحسم العسكري في ليبيا زاد الخلافات وعمقها داخل الوسط السياسي الفرنسي حول المشاركة الفرنسية وطبيعة الدور الفرنسي في حوض المتوسط.
وفي هذا السياق شبه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، رولان دوما خلفه الحالي آلان جوبيه ب« كلب البولدوغ» المعروف بأنه كسول جداً، محذراً من أن السياسة الحالية إزاء الدول العربية بمثابة حملة صليبية تعارض مصالح فرنسا ، وقال دوما:« منذ ديغول حتى شيراك عرفت فرنسا كيف تحافظ على موقف مؤيد للعرب ، لكن بحذر وبانضمامه إلى الحلف الأطلسي أطلق نيكولا ساركوزي آلة قتل في ليبيا، وها هي تتحول إلى سهرة سمر حربية وغير مفهومة إزاء سورية.
في بداية الأزمة الليبية، تصدت فرنسا للدور القيادي وذهبت إلى الحد الأقصى فأقنعت الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي وجامعة عمرو موسى والولايات المتحدة بضرورة التدخل العسكري لمساندة المعارضة المسلحة الساعية إلى الاطاحة بنظام معمر القذافي ، وكان قرار مجلس الأمن الرقم 1973.
لكن التطورات التي تلت التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي لم تسر وفق المشيئة الفرنسية ووجد الغرب الاستعماري نفسه أمام مأزق عسكري وسياسي في آن معاً.
فالمعارضة الليبية غير قادرة على الحسم ميدانياً، والقصف الجوي الذي طال المدنيين عاجز عن اسقاط نظام القذافي، والتورط البري غير مضمون النتائج، وخصوصاً أن دول العدوان غير قادرة على إرسال جنودها إلى الصحراء الليبية.
هذا المأزق دفع الغرب الاستعماري إلى اللجوء للحل الدبلوماسي بعد دخول روسيا والصين الدولتين اللتين امتنعتا عن التصويت في هذا الاتجاه، فدخلت واشنطن على خط الاتصالات مع القذافي رغم ايضاحها أن هذه الاتصالات غايتها توجيه رسالة حازمة إلى الزعيم الليبي.
ولم تتأخر فرنسا التي تبحث بدورها عن حل للخروج من الرمال الليبية المتحركة عن ملاقاة الخطوة الأميركية، فأعلن وزير خارجيتها آلان جوبيه أن في امكان القذافي البقاء في ليبيا إذا ما تخلى عن السلطة.
يقول الفيلسوف الفرنسي ايف كيينو: في الحرب على ليبيا التي اضطلعت فيها فرنسا بدور أساسي أسقطت الأقنعة وظهرت فرنسا باعتبارها قوة استعمارية تضع سياستها الدولية في خدمة مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، وأحياناً في خدمة المصالح الانتخابية للرئيس نيكولا ساركوزي، يتعين علينا أن نقول بصوت عال: إن التدخل العسكري في ليبيا ليس مشروعاً لأن قرار الأمم المتحدة يحدد هدفاً معيناً ومتواضعاً وإلى حد ما مقبولاً ألا وهو حماية المدنيين من احتمال قمع دموي للشعب الليبي، لكن طبيعة التدخل تغيرت وبات الهدف سياسياً ، وهو اطاحة الزعيم الليبي.
ولم يعد الهدف فرض الحظر الجوي على ليبيا وإنما التدخل على الأرض بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة بذريعة منع حصول مذبحة، ولو أدى ذلك إلى ارتكاب مذبحة حقيقية ضد الموالين للعقيد القذافي.
فمتى يقتنع الغرب الاستعماري أن لكل دولة عربية خصائصها وأنه لايجوز تعميم التجربتين التونسية والمصرية على ما يجري في ليبيا واليمن وسورية والبحرين؟