تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الاحتجاجات البريطانية وتبعاتها

شؤون سياسية
الأثنين 15-8-2011
د.محمد البطل

تتواصل الاحتجاجات الشعبية في بريطانيا , التي بدأت في السابع من شهر آب الحالي , وخاصة في العاصمة لندن , وتتسع رقعتها الجغرافية لتشمل مناطق أخرى تتجاوز ما يطلق عليه بالأحياء الفقيرة .

هذا في الوقت الذي تعمل الحكومة البريطانية والبرلمان , على تباينات مواقف أعضائه , على ايجاد حلول لـ « أعمال الشغب» التي تجري في العاصمة البريطانية , وضاعفت في هذا السياق من أعداد رجال الشرطة , وهددت بإنزال الجيش الى العاصمة .‏

اذ لم تشهد بريطانيا منذ عشرين عاماً تظاهرات حاشدة, بدأت في الأحياء الفقيرة , وصولاً الى منطقة هاكني , ثم شملت مناطق توتنهام وبريستول ( جنوب غرب) وليفربول ( شمال غرب ) وبرمنغهام ( وسط ) لتغطي بذلك غالبية مناطق العاصمة . رافقها إحراق المتظاهرين العديد من السيارات الخاصة بالأغنياء والمحلات التجارية الفخمة الخاصة , متاجر ( دينهامز ) مطاعم ( ليد بري ) ولم تفعل الشيء نفسه مع المؤسسات الحكومية .‏

وردت الشرطة بقتل ستة متظاهرين وجرح نحو 450 متظاهراً واعتقال نحو 2000متظاهر , وتعطيل شبكة التواصل الاجتماعي الالكتروني , حتى اليوم الرابع لهذه الاحتجاجات . كما اضطرت هذه التظاهرات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى قطع إجازته في ايطاليا والعودة إلى بريطانيا , وإصداره قرارا سريعا بزيادة عديد رجال الشرطة من 6الاف الى 16 ألف شرطي .‏

وأرفق هذه الزيادة بتهديد صريح حول إمكانية طلب المساعدة من الجيش البريطاني لتهدئة الأوضاع الاحتجاجية . كما دعا إلى (( اجتماع أزمة )) لحكومته , والى اجتماع استثنائي للبرلمان ( الذي يسيطر عليه حزب المحافظين وحلفاؤه )) الذي شهد جلسة صاخبة حول أسباب هذه الاحتجاجات وكيفية التعامل معها .‏

وأرفق كاميرون إجراءاته السريعة بإطلاق جمل تهديدية : ( سنفعل كل ما بوسعنا لاستعادة النظام في الشوارع ... سنواجهكم بكل قوة ... سنفعل كل ما يلزم لعودة الأمن إلى الشوارع وجعلها أكثر أماناً ... الخ ) . هذا التهديد الكاميروني الموجه إلى الاحتجاجات الشعبية السلمية , وما رافقها من ردود فعل تمثلت في (( الانتقام )) من أغنياء العاصمة وممتلكاتهم , لم يهدأ حتى اليوم الرابع من ازدياد حشود المتظاهرين واتساع رقعه الاحتجاج .‏

تعد لندن أكثر عواصم العالم مراقبة بالكاميرات التي تغطي العاصمة وتسيطر عليها تقنياً و عملياتياً . ورغم هذه التقنية المتطورة , فقد خرج المتظاهرون إلى شوارع العاصمة مع معرفتهم المسبقة لهذا النظام الرقابي الصارم, يدفعهم إلى ذلك أوضاعهم الاقتصادية – الاجتماعية , ومعاناتهم من السياسة الحكومية وتبعاتها .‏

وتشمل هذه الإجراءات الحكومية إبطاء معدل خفض الإنفاق وتأثيره على الفقراء والشباب أولا ً , كذلك تقليص الخدمات الاجتماعية بسبب سياسة التقشف الصارمة التي تطبقها الحكومة للحد من العجز الكبير في الموازنة , المترافق مع بطء النمو الاقتصادي ووقف بطاقات إعانات البطالة لآلاف الأسر البريطانية .‏

ورغم نعت الحكومة المتظاهرين بـ (( رجال الشغب )) فان واقع التظاهرات يشير إلى أنها تضم شرائح من الفقراء والعاطلين عن العمل . فضلا عن أولئك الذين يعتمدون على المساعدة الحكومية . وهذا ما تؤكده طبيعة المتظاهرين الشباب كذلك مطالبهم وكيفية تعاطيهم الاحتجاجي مع السياسة الحكومية الاقتصادية – الاجتماعية .‏

ونشير هنا إلى عدد من المسائل , منها :‏

· سلمية الاحتجاجات الشعبية وسرعة اتساعها وشمولها حتى اليوم الرابع غالبية مناطق العاصمة .‏

· إن الغالبية الساحقة من المشاركين في الحركة الاحتجاجية هم من الشباب , المفترض أنهم القطاع العامل والفاعل في إطار القوى العاملة البريطانية .‏

· ان هذه الحركة الاحتجاجية ضمت شرائح من الفقراء والمتضررين من السياسة الداخلية البريطانية, ومن برامجها التقشفية التي تضررت من هذا النهج الحكومي .‏

· ان حجم القتلى والجرحى والمعتقلين , حتى اليوم الرابع , يؤشر الى طبيعة التعاطي القاسي الذي تعاملت فيه الحكومة البريطانية مع المحتجين السلميين .‏

· ان النظام الرأسمالي لم ينجح في توفير حياة كريمة للبريطانيين وخاصة الفئات العاملة .‏

بين تسمية كاميرون للحركة الاحتجاجية السلمية بـ (( مثيري الشغب )) واتساع حركة الاحتجاج خلال 48 ساعة , مؤشر على مدى الاحتقان الذي تشهده بريطانيا . وان انطلاق شرارتها وان كانت بسبب من رزمة القوانين الاقتصادية – الاجتماعية , إلا أنها تشير بشكل او بآخر الى موقف الشباب والفقراء من النظام الرأسمالي وتبعاته على البريطانيين وبخاصة الفقراء منهم .‏

باحث في شؤون الدولية‏

Batal-m @scs-net .org‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية