بالمقابل بدت الصين بوضع رائع: فلم تعرف ركوداً منذ ثلاث وثلاثين سنة على التوالي، كما أن صافي الانتاج الوطني ارتفع بنسبة 10٪ بدءاً من عشرين سنة وحتى اليوم والبطالة بحالة تراجع كما عرفت الاحتياطات المالية ارتفاعاً تجاوز الـ 4500 مليار دولار في نهاية حزيران الماضي.
ويعود هذا التناقض إلى سياسة الصين في تخفيفها لقيمة عملتها الـ «يوان » أمام شركائها ومنافسيها. وبفضل سيطرتها على المبادلات الاقتصادية العملاقة المفتوحة على الدول ذات الأنظمة الكيانية استطاعت الصين أن تثبت قيمة اليوان بحيث يعادل 0.15 دولار و 0.11 يورو فيما ينبغي أن تعادل قيمته حسب مقياس صندوق النقد العالمي والأمم المتحدة 0.25 دولار و0.11 يورو. وظلت الدول الغربية عاجزة تماماً أمام حركة اليوان الذي فرضته الصين عليها، ومنذ قبول الصين في منظمة التجارة عام 2001 بسبب تحكمها بقيم التبادل حرمت الدول الغربية من السيطرة الجمركية، ونجم عن ذلك تراجع للاستثمارات الكبرى من الدول الغربية وفتح استثمارات واسعة في الصين ولكون اليد العاملة في الصين هي الأرخص في العالم استحوذت الشركات المفتوحة في هذه الدولة على مساحات متزايدة من السوق العالمية بينما الشركات الغربية المتعددة الجنسيات أخذت تركز استثماراتها الانتاجية على الأراضي الصينية، ما قوى أيضا جانب السوق العالمية الذي اجتذبته الصين..
توقفت عملية النمو في الدول الغربية وأصاب العجز تجارتها الخارجية بقوة كما تباطأت حركة استثمار الشركات على أراضيها وهكذا منذ عام 2001 تعرضت اقتصادات الغرب لركود طويل. ادعى نفس القادة الغربيون في دورتين اقتصاديتين عامي 2002 و2008 أنهم توصلوا إلى حل يمكنهم من التوصل إلى نمو جيد ومستمر وهذه الحلول المتتالية كانت في الواقع اجراءات ذات نتائج سلبية بين عامي 2002 و2006 مدير الاحتياط الفيدرالي آلان غرينسبان اتبع سياسة مديدة لفوائد منخفضة لاضعاف مدخرات الأسر وحثها لشراء مساكن عن طريق القروض.
وسائل كاريثه والمدة أربع سنوات انجر صافي الانتاج الداخلي والعمالة في الدول الغربية خلف قطاع العقارات الذي أصبح طوباوياً، لكن بعد هذا النجاح المحدود والمؤقت وصلت هذه الطوباوية إلى اشكالية ونتيجة عكسية ارتدت شرا عليهم. فمنذ منتصف الـ 2007 تشظت في الولايات المتحدة وأوروبا أزمة ثلاثية، عقارية، مصرفية، وبورصية، ركود وتفجر، بطالة تاريخية فكانت الخسائر أكثر من المحاسن التي حصدتها البلاد سابقاً.. إنه أول اخفاق تام في نهاية العام 2008 بعد إعادة الثقة نتيجة اتباع اجراءات استثنائية في القطاع المصرفي، طالب القادة الغربيون بتثمين الـ يوان الصيني والذي يعتبر الحل الوحيد لانقاذ تجارتهم الخارجية وصافي انتاجهم المحلي والعمالة.
ظهرت حلول جديدة بعد اجتماع الدول العشرين في تشرين الثاني 2008، فقد تبنى كل من تيموثي غيتنر وزير المالية الأميركي وبن برنانكيه مدير الاحتياط الفيدرالي سياسة إنعاش واسعة للموازنة تحققها من خلال القيم القصيرة الأجل والطويلة الأجل المخفضة. كما استسلمت باقي الدول الغربية لخطة انعاش واسعة عام 2009 تم تعديلها قليلاً عامي 2010 و2011.
وظل النجاح حليفها لفترة قصيرة، ويعود سبب عجز النمو إلى استثمار العقارات والبطالة المرتفعة وليس للتجارة الخارجية.
والأمر الأسوأ أن الانطلاق المالي انتهى بأزمة مالية عامة في الغرب وكانت بداية الشعلة أزمة اليونان التي ترافقت مع انتخابات تشرين الأول لعام 2009 وفي الواقع البرتغال، ايرلندا، اسبانيا، ايطاليا ، بلجيكا، النمسا، فرنسا وغيرها مثل اليابان وبريطانيا والولايات المتحدة تشارك اليونان نفس المصير: إذاً النشاط المالي والنمو المتواضع في الانتاج المحلي لهذه الدول مقلقان جداً وتحول المستثمرون إلي باعة لسندات الدولة ما رفع عوائدهم.
هذا وتشظت أزمة الثقة بين قادة الغرب ووقعوا في فشل مطلق نتيجة كيدهم الذي ارتد عليهم.
أزفت ساعة الحساب، فالصين رسملت استراتيجيتها التي بدأتها عام 1989 واكتفت بضعضعة الغرب على جميع الأصعدة تجارية، اقتصادية، اجتماعية، مالية، نقدية، تكنولوجية، عسكرية وديبلوماسية.. حتى تزعزعت أسس الغرب، حيث تعتبر السلمية النقدية أمام الصين مأزقاً فادحاً.
ويرى كاتب المقالة بضرورة استخدام الغرب للتشديدات الجمركية على الصين وإلزامها بتغيير سياسة عملتها اليوان لكي لاتمسي أزمة العام 2007 على غرار أزمة عام 1929 باعتبار أن تساهل الغرب أمام بخس عملة الصين أوقع الغرب في دوامة الأفول الاقتصادي والمالي.
بقلم أنطوان برينيه