تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نصف قرن على انتحاره.. الوثائق الجديدة: ال «ف بي آي»دفعت همنغواي للانتحار

عن: نوفيل اوبسرفاتور
ثقافة
الأثنين 15-8-2011
ترجمة: مها محفوض محمد

هل لأنه فقط كان محبطا و غارقا في تناول الكحول وضع حدا لحياته؟

بعد خمسين عاما على وفاة عملاق الادب الأميركي أرنست همنغواي يغوص الكاتب دوان بوي في ملفات أف بي أي ليكشف لنا كيف ساهمت وكالة الاستخبارات هذه في انتحار الكاتب في كتشام في منزله الخشبي قرب البحر، المنزل الفارغ من كل شيء حتى من جمهرة القطط، فكل شيء بقي هناك حيث أحب... منزله في كوبا و الشمس المشرقة فوق الروابي المنحدرة رويدا و السماء الملبدة و أضواء براقة غير ساطعة تماما في فينكا .. الجزيرة العزيزة على قلبه حيث عاش عشرين عاما من الحياة المليئة.‏

و عشية تلك الليلة كان يبدو مبتهجا  بعد مضي أسبوع على خروجه من المشفى و قد أنهكته الصدمات الكهربائية لعلاج الاكتئاب و كان حلمه يومها انهاء اخر عمل له «عيد متنقل في باريس»، انما ضعفه جعله يتورط في حشو من الكلام و يغرق في الذاكرة الحزينة المشوشة.‏

ففي صباح 2 تموز عام 1961 أخرج بارودة الصيد وصوبها الى جبينه لتستيقظ زوجته ماري على صوت الانفجار و لتصرح فيما بعد للصحافة ان زوجها قتل عندما كان ينظف السلاح.‏

هوتش أحد اصدقائه المقربين كتب سيرة حياة صديقه بعد خمس سنين على وفاته كشف فيها أن تلك الطلقة في البيت الخشبي أنهت حياة همنغواي المضنية وهكذا مضى نصف قرن و حقيقة الانتحار راسخة كنقش على الرخام.‏

في صيف 2011 و بمناسبة الخمسين عاما على وفاة الكاتب يأتي هوتش ثانية  ليقدم نقدا ذاتيا في رسالة بالغة الاثر تنشرها صحيفة نيويورك تايمز يؤكد فيها أن وكالة «اف بي اي» تقف وراء انتحار صديقه و يقول هذا الصديق لمجلة نوفل أوبسيرفاتور: لاأريد أن تبقى صورة همنغواي في الاذهان صورة الكاتب المجنون وأعتقد جازما أنه كان يهذي لمجرد رؤيته عناصر ال اف بي اي يلاحقونه في كل مكان.. في المطعم.. في السيارة حتى في البنك كانوا يدققون حساباته و لم أدرك حقيقة ماكان يقول الا في نهاية الثمانينات حين تبين أنه ايضا في المستشفى كان تحت المراقبة وقد اعتقدت يوما أنه فقد صوابه حين اتهمهم بأنهم تسللوا الى الفريق الطبي.‏

اليوم أشعر بالندم و ألوم نفسي كثيرا لأني كنت مخطئاً و كان هو المصيب.‏

لقد بقي ارنست همنغواي طوال حياته يلعب لعبة «الغميضة» مع الموت و يذكرنا انتحاره بانتحار أبيه الذي أدى الى ولادة أسطورة عرفت ب «لعنة همنغواي»، كما بقي موته مسألة مثيرة لاهتمام الامريكيين كما هو موت مارلين مونرو أو جون كينيدي بحسب استاذ الادب الامريكي بوريس فيجدوفسكي في جامعة لويزيانا  صاحب كتاب «همنغواي، حياته في مواقع أخرى».‏

أحد الباحثين البريطانيين المتحمسين لهذا الموضوع طالب في نهاية الثمانينات بفتح ملف ال «أف بي اي» عن همنغواي لكن الطلب لم يلق الاهتمام الا قليلا و لولا اعتراف صديقه هوتش بذلك لبقي الملف طي النسيان.‏

يقول هوتش: لقد دوّن رجال جون ادغار هوفررئيس مكتب الاستخبارات الداخلية الامريكية حوالي 124 صفحة عن كتابه «لمن تقرع الاجراس» و كان الكاتب ملاحقا دون توقف منذ العام 1924 حتى وفاته بما فيها الفترة التي قضاها في المشفى و تشهد على ذلك رسالة موجهة الى مدير ال «اف بي اي» جاء فيها: لقد خضع ارنست للعلاج في المشفى و هو مريض جسديا و عقليا وبناء على نصيحة المشفى فقد تم تسجيله باسم مستعار (جورج سيفيه) و كم أثار الموضوع قلق الطبيب حينذاك فطلب منهم عدم ازعاج المريض أو اخباره بموضوع الاسم المستعار.‏

و لم يقفل الملف الا في نهاية عام 1974 اي بعد أربعة عشر عام على وفاة الكاتب و بعد عامين على وفاة هوفر الذي بقي مديراً للوكالة مدة 48 عاما  (اي تحت رئاسة ثمانية رؤساء لأمريكا من عهد كوليدج حتى نيكسون وضع خلالها الكثير من الشخصيات تحت المراقبة مثل مارلين مونرو و شابلين و غيرهم..).‏

يقول الكاتب مارك دوغان: ادغار هوفر هذا المصاب بالهذيان جعل من مناهضة الشيوعية مهمته الرئيسية وهمنغواي كان نموذج الشخصية التي يكرهها هوفر خاصة بسبب التزامه بالحرب الاسبانبة ما جعله مشبوها وعدوا له حاول تشويه سمعته بشتى السبل.‏

يقول أحد المقربين من هوفر: كنت أعتقد دائما أن همنغواي هو أسوأ كتاب اللغة الانكليزية و لم أكن أتصور كره مدير ال «اف بي اي» لهذا العملاق اذ لم يكن يقبل تشبيهه بتولستوي , و يبدو ان قلق ال اف بي اي في ذلك الوقت كان ناجما عن اعتماد همنغواي في كتاباته على خبراته في كوبا حيث كان يقيم ووصفه لهؤلاء العملاء بالشرطة الاغبياء المحدودين و رؤيته لجماعة هذا المكتب بالرماديين الذين لا قيمة لهم و في احدى رسائله يصف احدهم بالطفيلي القذر.‏

و لم يتوقف عملاء الاستخبارات عن لفت الانتباه الى رأي همنغواي بجماعة ال «اف بي اي» على أنهم تافهون و ان عداءه الشخصي لهم هو عداء ايديولوجي فهو يعتبرهم معادين للبيرالية أقرب إلى الفاشية و بوضوح اكثر وصفهم ب غستابو امريكي ( البوليس السري النازي).‏

وكم حاول همنغواي التصدي للحملة الشعواء التي استهدفته اذ لم تتوقف هذه الاستخبارات يوما عن مراقبته بعد الحرب العالمية الثانية حين انفصل عن زوجته مارثا و تزوج من ماري ولش كما راقبته حين زارته النجمة ايفا غراند في كوبا وسبحا معا.‏

غادر همنغواي كويا في عام 1960 بعد أن منعت كتاباته عن حرب اسبانيا خوفا من تفسيرها خطأً في السياق السياسي لتلك المرحلة و كان يرفض رفضا قاطعا توجيه اي انتقاد للزعيم كاسترو و لم يكن همنغواي يوما شيوعيا بل كان بعيدا عن السياسة يخشى تصنيفه بين «الحمر».‏

لم يكن راضيا عن روايته الاخيرة التي نشرت بعد وفاته (1964) «باريس في عرس» وفيها يختم بالقول: في هذا الكتاب مواد استنبطها من مخبأ ذاكرتي و من قلبي رغم أن الذاكرة تم تهريبها والقلب لم يعد موجودا.‏

ويعبر باتريك حفيد همنغواي بأسى: اليوم لم يعد باستطاعة أحد منع افشاء أسرار هوفر الذي ارتكب الفظاعات و بالتالي كشف آخر عذابات ارنست.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية