أو تلك ودون أن يجهد نفسه بأي محاولة تغيير نحو الأفضل..
لا يجوز أن يعارض الولد أبيه في أي مسألة مهما كانت خيوطها واضحة ومواقف الابن مدعومة بالحجج المنطقية والأدلة العلمية لمجرد أن من يخالفه بالرأي هو (الأب) ولأن هناك مقولة تقول (أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة)!
لا يجوز أن تخرج البنت عن رأي عائلتها حتى في القضايا التي تخصّها كأنثى ومازالت بعض العادات البالية تحكم المرأة وخاصة فيما يتعلق بشريك حياتها وإن ادعّى أخوتها التحرر والثقافة وغير ذلك..
إن كانت المحاولة غائبة في أمور بسيطة كهذه (ولا نعمم هنا) فماذا ننتظر عندما ننتقل في سحب هذه المقولات على قضايا أكبر وأكثر عمقاً في حياتنا؟
نعيش الآن في بلدنا سورية مرحلة مفصلية من تاريخنا تنفتح فيها التحولات على مصراعيها، والكلّ تقريباً مقتنع بضرورة هذه التحولات وأهميتها (نظرياً) لكن لا تبدو الحماسة موجودة فعلياً على أرض الواقع وسنسوق بعض الأمثلة بقصد التخفيف من حدة وجودها لا للقول بأنها سائدة وبالتالي نحكم على أنفسنا باليأس ونتفرّج على من يحاول التغيير وننسى أنفسنا..
سألنا الكثيرين عن رأيهم بالقوانين الجديدة التي صدرت أو تلك التي تُدرس وسترى النور قريباً وسنترك الإجابات المتفائلة جانباً لنفتّش عن أسباب التشاؤم في نقيضتها في محاولة لضرب عصفورين بحجر واحده، الأول هو الوقوف على تفكير من يتمسّك بتشاؤمه والثاني محاولة سحب أسباب التشاؤم لزيادة رقعة المتفاعلين إيجابياً مع هذه التحولات...
(.. لن نتخلّص من الفساد الموجود في الدوائر الحكومية مهما صدرت قوانين ومهما شددت الدولة رقابتها على الموظفين لأن معظمهم رضع الفساد مع الحليب ولأن الفساد هو علاقة متبادلة بين موظف ومواطن فإن نجحت الدولة بحماية موظفها من الفساد فإن المواطن يرده إلى هذا الفساد).
الرأي السابق دافع عنه صاحبه (مصطفى – خ) وأضاف: عندما يسهّل الموظف معاملة لي فإني أخجل من نفسي وأعطيه مئة ليرة تعبيراً عن شكري له وعندما يعرقل معاملتي أعطيه مئة ليرة من أجل أن يمشّيها، وهذه المعادلة المزدوجة ستبقى وموروثنا الاجتماعي يفرض علينا الشفقة على الموظف من مبدأ أن راتبه لا يكفيه ومئة ليرة ليست مشكلة...
أما (عبد العزيز – ش) فقال: نسمع على التلفزيون القرارات التي تتخذها الحكومة، وهي جميلة وكلّها تصبّ في خانة مصلحة الوطن والمواطن ولكن هناك طرف وسيط في أي علاقة بين المواطن وأي جهة حكومية، قد استمر ساعتين أو ثلاثة في تجديد أوراق سيارتي إذا أردتُ إنجاز كلّ شيء بيدي، أما إذا أعطيتُ أي معقّب معاملات أو مكتب مختص (500) ليرة فقد أنتهي من هذه العملية خلال ربع ساعة، وبصراحة لم أجرّب أن أنجز أي شيء بيدي وأختار الطريق الأسهل وقد يكون حكمي على هذه المسألة خاطئاً.
وقفنا أمام مركز هاتفي أثناء تحصيل رسوم دورة هاتفية و(دردشنا) بصفة غير رسمية مع المواطنين الذين دفعوا فواتيرهم فكان القاسم المشترك هو أنهم جميعاً تركوا (الفراطة) للموظف، فهذا بقي له في ذمته (15) ليرة وذاك (20) ليرة..الخ.
سألتهم: لماذا لم تطلبوا بقية حقكم فكان الجواب مشتركاً تقريباً (مو محرزة)!
هي فعلاً (غير محرزة) ولكن لنفترض أن (50) مراجعاً جاؤوا في هذا اليوم لدفع فواتيرهم وكلّ منهم بقي له عشر ليرات بذمة هذا الموظف فهل (500) ليرة يوفّرها هذا الموظف لجيبه هي حلال؟
وإذا ما جاء مواطن (راسو يابس كما يقولون) وأصرّ على استرجاع هذه العشر ليرات سيصبح هذا المواطن (فرجة) وموضع تحقير غير معلن من غيره!
نعود إلى حالة التغيير الإيجابية في بلدنا الحبيب وإلى موقف شريحة من الشباب من هذا التغيير، هذا الموقف الذي لبس النقيضين فمن قمّة التشاؤم إلى قمة التفاؤل..
(نهاد – م) قالت: إن ما صدر من قرارات وقوانين وخاصة ما يتعلق منها بشريحة الشباب من دورات إضافية في الثانوية وفي المعاهد والجامعات وقرارات الاستيعاب الوظيفي وتشغيل الشباب في القطاع العام وغير ذلك يشكّل أرضية مريحة جداً للانطلاق إلى العمل بروح عالية وبمعنويات كبيرة، والدولة تقدّم كلّ ما عليها وأصبحت الكرة بملعبنا نحن الشباب لنثبت للدولة أن ظنّها بنا لن يخيب...
(سامية – ب) قالت: ما هو لافت للنظر هو الاستجابة السريعة من قبل الدولة لما يطالب به الشباب وتنقله وسائل الإعلام، وأذكر أنكم كتبتم في جريدتكم عن ضرورة إلغاء شرط العمر في التوظيف (دون ال30 عاماً) وخلال أقل من أسبوع تمت الاستجابة لهذا الأمر وهذه المقدمات تبشّر بالخير وعلينا كشباب أن نعرف كيف نصون هذه المكتسبات ونحميها ولا نسمح لأحد بتعطيل الإصلاحات..
(أسعد – أ) قال: ليست المرّة الأولى التي نسمع فيها مثل هذه القرارات ولكنني لستُ متفائلاً كثيراً فمن شبّ على شيء شاب عليه، هناك بعض الموظفين يعتقدون أن هذه الدائرة هي ملك خاص له يتصرّف بها كما يحلو له، وعندما نقول لهم سنشكو للمدير يمطرنا بضحكة ساخرة وكأنهم يقولون لنا: بلّطوا البحر، وأردف رداً على سؤال: لماذا أتعب نفسي، مئة ليرة قد تحلّ كلّ شيء، لم أجرّب أن أشكو أي موظف..
(ناصر – ح) موظف في دائرة حكومية في طرطوس قال: إذا قلنا للمواطن إن هذه المعاملة ناقصة يرمقنا بنظرة اتهام، نحن نطبّق القانون، هناك تعقيدات في بعض القوانين والمشكلة ليست في تطبيقه، وكما نلاحظ هناك إصلاحات على مختلف الصعد وعلينا جميعاً أن نصبر بعض الوقت..
(منى – ص) قالت: نحن على عجلة من أمرنا دائماً، نريد كل شيء دفعة واحدة وهذا خطأ ويضغط على محاولات الإصلاح، ولكن بنفس الوقت يجب ألا نسمح لأحد بالتلاعب بمشاعرنا ، والإصلاحات التي أعلن عنها السيد الرئيس يجب أن تجد موظفين مخلصين يحسنون تطبيقها والتعامل معها باحترام..
(عدنان – محمد) قال: لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، ثلاثة أرباع الفساد سببه المواطن، حتى الموظف الذي يمثّل الدولة أليس مواطناً قد يكون أخي أو ابنك، فلماذا لا نحسن تربيته ليكون مواطناً صالحاً وموظفاً نزيهاً؟ لماذا نعتبر مال الدولة مالاً سائباً ومن يمدّ يده إليه يعتبره البعض (شاطراً) وابن عصره؟ إن لم يصلح المواطن لن يصلح الموظف.
(أحمد – د) قال: أنا موظف في مكان يمكنني أن أرتشي فيه يومياً، فالمراجعون كثر وكلهم مستعدون نفسياً للدفع من أجل تسريع معاملاتهم، ويكفي أن (أرتخي) بعض الشيء حتى تبدأ الرشوة، فإن استطعت أنا تجنيب نفسي هذه الرذيلة قد لا يستطيع غيري لذلك أتمنى من المراجعين للدوائر الحكومية وخاصة تلك التي عليها ضغط وزحمة وتحضر فيها بعض التجاوزات ألا يساهموا في فساد الموظفين وأن يعرف كل مواطن حقّه ويتمسك به...
وهكذا، ومن خلال بعض الآراء التي استمعنا إليها يمكننا القول إن بعضنا يعيش التناقض مع نفسه، فهو مؤمن بوجود الخطأ وبضرورة محاربته ولكنه في الوقت نفسه لا يردع نفسه عن المساهمة في استمراره، فيجدد لنفسه المبرر عندما يعطي مئة ليرة لموظف من أجل تسريع معاملته لكنه يعيب على الموظف قبولها..
ولمسنا أيضاً أن هناك من يستصعب تطبيق الإصلاحات بسبب تراكم الأخطاء السابقة، وهناك من أعلن التحدّي وبدأ الإصلاح من نفسه..
وحتى نعزز الحالات الإيجابية ونقلل من التفكير السلبي علينا كإعلام (وقد طُلب منا ذلك) أن نسلّط الضوء باستمرار على التشريعات الإصلاحية وننبه المواطن إلى حقوقه ونحفزّه على التمسّك بها ومحاولة ردع المفسدين ولو عطّل ذلك مصالحه الشخصية لبعض الوقت..