تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المدين يحارب الدائن!!

شؤون سياسية
الخميس 18-8-2011
عبد الرحمن غنيم

الولايات المتحدة مدينة بما يتجاوز 14.5 تريليون دولار، ورفعت سقف الدين لتتمكن من اقتراض المزيد. وفي الوقت نفسه ، فإن العديد من الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ،

بل أهم هذه الدول تواجه أيضاً مشكلة المديونية وتبحث عن وسيلة ما للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تمثله هذه المشكلة، وخاصة أنها بدأت تواجه اضطرابات اجتماعية عنيقةأشدها حتى الآن هي تلك التي تواجهها بريطانيا حالياً ، دون أن نستبعد من الاعتبار الأحداث التي شهدتها اليونان وإسبانيا والنرويج ، ودون أن نقضي من الحسبان المشاكل الاقتصادية التي تواجهها إيطاليا والبرتغال. ومن لا تتبلور مشكلته في الشارع على شكل مظاهرات صاخبة قد يرافقها العنف ، يمكن تلمس المشكلة التي ينزلق إليها من الانخفاض المفاجئ في أسواق الأوراق المالية ، الأمر الذي يهدد بأزمة اقتصادية عالمية.‏‏

إن هذا الواقع يبدو غير متناسق مع إصرار هذه الدول على الانخراط في العديد من الحروب في وقت واحد، أو على الانتقال من حرب إلى حرب أو أكثر بحيث لا تنتهي الحرب في منطقة إلا وتشرع في إثارة حرب جديدة في مكان آخر. والحرب كما يعرف الجميع مكلفة وتحتاج إلى نفقات كبيرة. فكيف يمكن التوفيق بين المعاناة من تفاقم الديون وبين الذهاب إلى الحروب وتحمل نفقاتها؟.‏‏

إن السؤال المنطقي في هذه الحالة هو التالي: إذا كانت هذه الدول مدينة أو غارقة في الديون ، فبأموال من تحارب ، ومن هم الخصوم الذين تستهدفهم؟.‏‏

في الإجابة على هذا السؤال الأخير ، هناك حقيقتان:‏‏

الأولى: أن الغرب الامبريالي يستهدف العالم العربي والإسلامي بحروبه، وهي حروب تتخذ كل أشكال الحروب الحديثة التي يمكن أن تخطر بالبال.‏‏

والثانية: أن أحد أهداف الأميركيين الأساسية من إثارة وإدارة هذه الحروب هي المحافظة على تفوق الولايات المتحدة وانفرادها بالقطبية في مواجهة النشاط الاقتصادي الصيني ، وخاصة في إفريقيا وآسيا ، حيث تسعى أميركا إلى استبعاد الصين عن مسارح الاستثمار الاقتصادي حتى لا يكون التقدم الاقتصادي الصيني على حساب هيمنة الاقتصاد الأميركي على الأسواق. وحرص الولايات المتحدة على استبعاد الصين ينبع أيضاً من التقديرات الاقتصادية القائلة إن الصين في طريقها لأن تصبح الدولة الأقوى اقتصادياً في العالم خلال السنوات الخمس القادمة. ولا شك أن هذا الهدف أيضاً يتضمن الحيلولة دون صعود قوة روسيا من جديد لتحتل المكان اللائق بها في المجتمع الدولي.‏‏

من المثير للدهشة أن نعلم بأن الولايات المتحدة مدينة بشكل أساسي للصين فإذا كانت تشن الحرب على ليبيا بهدف إقصاء الصين عن إفريقيا ، فهذا يعني أنها تحارب الصين بأموال الصين. وأما بالنسبة للعالم العربي والإسلامي ، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يشنون الحرب ضد بعض العرب والمسلمين بأموال العرب المودعة في المصارف الأميركية والأوروبية ومنها الحسابات المدينة المترتبة على استيراد النفط والغاز. ويبدو أن محاولة التغلب - ولو الجزئي- على حالة العجز في الموازنة الأميركية وموازنات حليفاتها الأوروبيات الغربيات ، تتضمن صفقات بيع الأسلحة المنسقة كوسيلة لتخفيض حجم الديون أو لاستقطاب فوائض الأموال ، وهي تجارة تهتم بها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وهذا ما يفسر تحالف هذه الأطراف بحيث باتت تتصرف كفريق واحد.وحتى ليبيا التي يسعون الآن بكل قوة لتدمير ما لديها من معدات عسكرية ، فإنها في نظرهم زبون لاحق لشراء أسلحة بديلة من خلال ضخ المزيد من النفط ،ومبادلة النفط بالسلاح. فهم يدمرون أسلحة لإفساح المجال أمام صفقات بيع أسلحة بديلة.‏‏

وهذا ما فعلوه في العراق بعد احتلاله عام 2003 حين عمدوا إلى حل جيشه وتدمير معداته ، ليكون بوسع الأميركيين تصدير ما يحتاجه الجيش الجديد من معدات. وهكذا تمضي اللعبة الامبريالية في طريقها المرسوم لها ، باعتبارها تستهدف سلب ثروات الشعوب وفرض التبعية عليها ، والتحكم بها حتى وإن كانت في حسابات التبادل الاقتصادي هي الدائنة بينما الغرب الاستعماري هو المدين. ولو فكرنا قليلاً فيما تنطوي عليه هذه العملية من خدمة لمصالح الاحتكارات لتبين بشكل سافر التكامل بين شركات استثمار النفط بكل ألوانها ،وشركات صناعة الأسلحة والمعدات بما في ذلك تلك المتخصصة بتكنولوجيا الاتصالات العالية ، والمؤسسات المالية ، وكون لعبة تشغيل الجيوش هي جزء من حركة هذه الاحتكارات ، التي هي الحاكم الفعلي في بلدان الغرب الموصوفة بالديمقراطية. وبالتأكيد ، فإن الدول مطمئنة إلا أن دائنيهامن العرب بشكل خاص لن يحرجوها بطلب تحويل حساباتهم إليهم نقداً أو سبائك ذهبية ، ولو حصل وطلبوها فلن تلتفت إلى طلبهم ، بل تملك ألف وسيلة و وسيلة للحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، بل والحجز عليهم أيضاً ، بعد أن جربت أساليب فرض الحجز على الأموال تحت شعار محاربة الإرهاب أو تحت شعار التدخل من أجل حقوق الإنسان.وبالتالي ، فقد بات الدائن يخاف من غدر المدين. وبات ينطبق عليه المثل المعروف القائل «فوق حقه دقه» وهذا ما يفسر في نهاية المطاف سلوك أولئك العرب الذين قالت لهم أميركا أن يتخذوا موقفاً معيناً تجاه سورية ، فلم يجرؤ أحد منهم على أن يقول للسيد الأميركي عبارة «آسف أيها السيد»!! بل ولم يجرؤ أحد منهم على أن يؤجل تنفيذ ما طلبته منه واشنطن ولو لساعات. فهم موضوعون في بيت الطاعة، مرتهنون لأميركا ، والمرتهن لأميركا مرتهن لإسرائيل. ولا نملك إلا أن نقول لهم: «لا حول ولا قوة إلا بالله».‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية