يحدث أن يصنع حدّاد فقير في بخارى خنجرا يسافر عبر طريق الحرير إلى البندقيّة ثمّ يستقرّ في صدر دزدمونة على يد عطيل وبعد مؤامرة محكمة التدبير الشكسبيري من ياغو.
يحدث أن تفتح زوّادتك تحت زيتونة، نرمي بنواة تمرة دون مبالاة فيستريح حفيد أحفادك تحت ظلّ النخلة ويترحّم عليك.
يحدث أن تقول لامرأة عابرة في محطّة عابرة: كم أنت جميلة, ثمّ تلتقيها في ذات المكان أرملة, في وجهها نمش, وفي سن الشيخوخة.
يحدث أن تأتيك رسالة عشق مجهولة المصدر وتقضّي حياتك في البحث عن صاحبتها ثمّ تكتشف بعد فوات العمر أنّها من زوجتك.
يحدث أن تنتظرها عمرا ثمّ تمرّ – دون أن تدري - وأنت تشعل سيجارة في غفلة من الزمن وبمؤامرة من الأقدار.
يحدث كلّ هذا، في كلّ زمان ومكان ومع كلّ الرجال والنساء لأنّهم ببساطة على قيد الحياة... وأمام أبواب مشرّعة على كلّ الاحتمالات.
لماذا إذن نتّهم الزمن بالخيانة وأنفسنا بالتقاعس والآخرين بحسّ المؤامرة؟!
لماذا نضع الكفّ على الجبين والأقلام في الجيوب ونضرب عن الكتابة بذريعة أنّها مفتعلة..؟!
دسّني أبي إلى رحم أمي في ليلة باردة،جاء ابني إلى مائدة الطعام بعد حالة انزعاج من نفسي, كتبت هذه السطور لأجرّب مقدرتي على الكتابة بعشرة أصابع.. فكّرت في هذه الفكرة كي لايوبّخني ضميري الجالس أمامي.
يتّهمون ما أفعله على المسرح بالغرائبيّة والسياحيّة والإستقواء بالخيال, نعم,سوف أحدّثكم يوما عن مفتاح بيتنا في غرناطة وعن رحلة الأجداد الذين هرّبوا الموشّحات في صدورهم والمقامات في حناجرهم وساندوا الأقلّيات في صوامعهم.
سوف أشرح لأبي العربي يوم القيامة - وكذلك أمّي الأمازيغيّة ومدرّستي الفرنسيّة ومترجمي الألماني- أنّ العالم ليس لسانا واحدا..لست أدري مااللغة التي سأتحدّثها يومئذ.. ولكنّي واثق من لساني السليط وحريتي التي تشبه الريح وعشّي الذي يسافر خلفي.
سوف أبني لك حبيبتي منزلا من عدم الكلام وأساعد الجارة على تنظيف الدرج بأن لا أمشي فوقه وأساهم في بياض الورق بأن لاأكتب عليه.
الغرائبيّة أن تقنع نفسك بأنّك لست غريباً.. وندماءك بأنّك لست ثملا وأقرباءك بأنّك لا تقربهم.
أن تسمع ولاتفهم، تحكي ولاتنطق, تقرأ ولا تكتب...الغرائبيّة أن لا تستغرب شيئا.
يحدث أن لا تقولك الكتب ويتجاهلك الجهلة ويزوّرك المتحذلقون, يحدث أن لا تنبت دموعك شيئا ويحدث أن تقول: أنا هنا، دون أن ينتبه إلى وجودك أحد.
يحدث كل شيء في غفلة عن الأقلام والألسن والرؤوس المترئسة للأوهام يحدث أن لا يقرأني أحد لكنّي ٍأغمض عينيّ الصغيرتين وأطير لأرتطم يوما بحقيقة تشبه الشراع في عرض البحر.
يحدث أن (لا أشبهني) على هذه الأوراق التي لن أمزّقها.. وعبر هذا الطفل الذي سوف يكبر مثل سؤال.. ولايمتعض من أوامري كما كنت مع أبي....
يحدث كل هذا، في كلّ لحظة تسقط مثل حّبة في ساعة رملية.
يحدث عند كل (واحة), عند كل (سراب)، عند كل رمل يتحرّك..أيتها الصحراء.
يحدث كل هذا أيتها التفّاحة التي قضمها بحّار ثمل، ثمّ ألقى بها في عرض البحر فصارت جزيرة.
hakemmarzoky@yahoo.fr