تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لو تعلمين

آراء
الخميس 18-8-2011
ما إن أشرع نوافذ أمنياتي نحو الأفق، حتى تراني مأسورة بحال الغياب. أمد بساط قلبي صوب تخوم الجبال، ولسان وجدي يقول: أين أنا؟!.. في هذا العالم أم في عالم مغاير؟!.. أرفض أن أحط «هنا»..

أريد أن أبقى محلقة «هناك».. أبتعد صوب مراتب أكثر نظافة، وكلما انفتح أمامي باب سماء، سعيت بروحي إلى سماء أخرى تحتفي بالعلو والشفافية والحب والعمل والخير والجمال واحترام جوهر الإنسان. أنهض إلى مسعاي صوت «فيروز» يرافقني، أفرد جناحي كنسر، أصافح نور الشمس، ألتزم بالالتزام، أترفع عن الترهات، أشف، أشف، أسمو، أسمو، ولا يقاسمني السمو سواها، ورفعة النجوم.‏‏

صديقتي - لو تعلمين!..‏‏

تهلين على عالمي فيضاً وسقيا، كأن الحياة ما وجدت إلا لتكوني أميرة فوق الذرا، ترفلين بثوب النقاء، وأنا كلما أسمع شيئاً من غنائك، أخاله قادماً فوق جنح فراشة يختال مزيناً بأحجيات، بأمنيات مزركشة ترقص على نغم شرقي السحر يفر من بين الأصابع لينساب في ثياب المحبة.. ثياب الحقول، وكلما تناهى إلي شدوك أقول: إنك قريبة مني كأنك على مرمى القلب.‏‏

فيروز.. نجمة الصباح المتألقة.. عصفورة الأحزان والامتنان، مشهدية الهديل، عرفتك منذ الصغر، ارتديتك قصيدة ومصباحاً وبحراً وجواً، يعلو صهيل بوحك في عالمي المعجون بالخيبات، فأرتدي مفردات الدهشة وأمضي، أعود إلى سنين خلت، حيث البدايات الأولى لتشكل الأحلام، يوم تناهى إلي رنين عودك، وعذب نايك، ورأيتك تقفين عملاقة فوق خشبة عملاقة في دمشق، فأصخت السمع، أصخت الحنايا، لأذوب صمتاً عند ضفاف الصلاة، واختلاجات المشاعر البكر، وارتعاشات الصوت المجبول بعبير التراب بعد زخة المطر، أغنية صغيرة، دفقة عابرة كانت ولا تزال تهبني كنزاً عامراً يدب في شراييني ليصل بي إلى عالم الأثير، بعد أن ألقيت عني عالمي الكثيف المثقل بالهموم والأتربة والأوجاع.‏‏

الأغنية الفيروزية شعر ولحن ونبض يضج بالحياة، أما الصوت فإنه ناقل حنون يصافح السهول والقمم والوديان يتجول بين غابات الأرز، وحراج الصنوبر والبلوط، ينطلق من ساحات البشر إلى السماوات الملفعة بملاءات الغيم الموحي بالهطول.‏‏

تلك هي فيروز.. أتعلق بظلالها في زمان الأزمات، ألوذ ببوحها كطفل صغير يلوذ بصدر، أو بكف، أو بهمسة دافئة، أتوحد مع معطياتها وقد خاطبت شاعرنا الكبير محمود درويش - يوماً - تطلب منه أن يتسلم جائزة «القدس» بدلاً منها:‏‏

- «حين غنيت للقدس، كانت بيروت ببالي، وكذلك العواصم العربية كلها».‏‏

مد الشاعر العظيم يديه إليها، عانق كلماتها بقصائد القمح والورد، وريتا والبندقية.. ثم ابتعد، ليظل الشموخ سيد الموقف، ولتظل فيروز رمز الوطن الكبير.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية