وكان لهذه المدرسة تاريخ حافل قبل أن تتحول إلى أول مكتبة جامعة عامة في دمشق.
وتسمى في كتب التراث المدرسة الظاهرية الجوانية نسبة إلى الملك الظاهر بيبرس، أي داخل السور تمييزا لها عن المدرسة الظاهرية البرانية التي كانت خارج باب النصر نسبة إلى بانيها الملك الظاهر غازي ابن صلاح الدين الأيوبي.
وقد تولى الملك السعيد ابن الظاهر بيبرس بناء التربة والمدرسة الظاهرية بعد وفاة أبيه سنة 678هـ الموافق 1276م، ونقل جثمانه المدفون في القلعة إليها بعد بناء التربة.
وقد جمعت مقتنيات المكتبة الظاهرية ومخطوطاتها من مكتبات وقفية وخاصة كانت منتشرة في أنحاء دمشق القديمة، وقد بدأ العمل بالجمع والتصنيف في عام 1879 في عهد الوالي مدحت باشا ثم حمدي باشا، بفضل جهود الشيخ طاهر الجزائري وسليم البخاري.
واتخذت تربة الملك الظاهر مكاناً لها لتسمى بعد ذلك باسم المكتبة الظاهرية، وتحولت إلى مكتبة عامة وفتَحَت أبوابها في سنة 1881، وربطت المكتبة في بداية أمرها بدائرة الأوقاف حتى عام 1919 ثم ألحقت بديوان المعارف، ثم أسندت إدارتها إلى مجمع اللغة العربية بدمشق.
وتعود مقتنيات المكتبة الظاهرية ومخطوطاتها من مكتبات أخرى منتشرة في أنحاء دمشق القديمة، وتم لهذه الغاية تأسيس مكتبة عمومية جمعت فيها المخطوطات من عشر مكتبات خاصة ومدرسية، واتخذ من تربة الملك الظاهر مكاناً لها لتسمى بعد ذلك باسم المكتبة الظاهرية.
وهناك لبس حول أول من عمل على بناء المدرسة حيث ينسب إلى الملك السعيد ابن الظاهر بيبرس، وهو ناتج عن وجود لوحة فوق باب الظاهرية جاء فيها:
(أمر بإنشاء هذه التربة المباركة والمدرستين المعمورتين المولى السلطان الملك السعيد أبو المعالي محمد بركة قان ابن السلطان الشهيد الملك الظاهر بيبرس).
ولكن النعيمي في كتاب (الدارس في تاريخ المدارس) يعطي توضيحا دقيقا حول أول من بناها ومن أتمها من بعده، كما يعدد شيوخ المدرسة، ومن المعلومات التي يوردها أن هذه الدار كانت دار الأمير أيوب بن شاذي والد صلاح الدين الأيوبي.
وينقل عن ابن كثير أنه في سنة ست وسبعين وستمئة شرع في بناء الدار التي تعرف بدار العقيقي تجاه العادلية لتجعل مدرسة وتربة، وقد اشترى الملك الظاهر بيبرس الدار لتكون مدرسة ودار حديث وتربة في سنة سبعين وستمئة.
وحسب ما أورده المؤرخون لم يكمل بناء المدرسة في عهد الظاهر، ولا في عهد ابنه الملك السعيد، وإنما أكملها السلطان الملك المنصور قلاوون.
وقد بدأ التدريس في الظاهرية في الثالث عشر من صفر سنة سبع وسبعين وستمئة، ولم يكن بناء المدرسة قد كمل، وممن قام بالتدريس بها صفي الدين الهندي وعلاء الدين بن القلانسي وعفيف الدين الآمدي الذي تنسب إليه جادة العفيف في الصالحية.
وحسب ما ذكره النعيمي تم وقف العديد من القرى والبساتين ليصرف ريعها على علماء وطلاب الظاهرية، ومنها أراض في القنيطرة وكفر عاقب وصرمان بكمالها والأشرفية قبلي دمشق ونصف قرية بالبقاع وبستان بالصالحية.
وجرت منذ سنوات أعمال ترميم وتجديد للمكتبة الظاهرية، بجهد وتمويل من جمهورية كازاخستان، باعتبار أن الملك الظاهر بيبرس ينتمي إلى هذه البلاد الإسلامية.
وقد بدأ العمل بها في عام 2007 وتم الانتهاء منهابشكل كامل منذ مدة، حيث تمت إعادة الدار إلى أصول عمارتها التراثية الأولى.