بين السمعي والبصري
رؤية السبت 20-8-2011 أديب مخزوم ثمة جدل دائر منذ عقود يتركز حول أسباب تدني مستوى الحساسية البصرية عند الجمهور العربي، وارتفاع وتيرة الاهتمام بالفنون المشهدية والسمعية والخطابية والتقريرية.
واختصارا يمكن القول : إن غياب الثقافة البصرية الحديثة عن المناهج التعليمية في المراحل كافة، هو المسؤول الأول عن عدم قدرة المتلقي على الدخول في عوالم وجماليات اللوحة والمنحوتة الحديثة. فالمناهج التعليمية عندنا تركز على الجوانب النظرية والتاريخية في الفن وتهمل المنطلقات الجمالية الحديثة التي تنمي الحساسية البصرية والروحية وتعطي الطالب دفعة تصاعدية وتمنحه حرية في التعامل مع رموزه وأشكاله بتلقائية مرهفة، في خطوات اكتشاف الدلالات والإشارات والتشكيلات الحديثة من مبدأ تفهم عوالمه واهتماماته أولا وحسب المنطلقات التربوية المعاصرة.
فالفنون التشكيلية السورية والعربية في ارتباطها بالجمهور وبالنقد تطرح، في هذه المرحلة، مشكلة الوعي الفني في الثقافة العربية المعاصرة، لأننا لا نستطيع أن نتكلم عن وجود حساسية جمالية بصرية عند الناس، أو عن ثقافة تشكيلية متداولة، لأن الحساسية الجماهيرية عندنا لجهة النظر إلى اللوحة الحديثة لا تزال تعتمد على وسائل تقليدية وسطحية وبدائية في تذوق العمل الفني، وذلك باستعادتها لجماليات بصرية ذابلة في الفن تعود إلى أكثر من تسعة آلاف سنة، وهي الفترة التي اكتشف فيها إنسان العصر الحجري الأول جمالية الصورة الواقعية، حينما بدأ يجسد على جدران الكهوف المظاهر الخارجية للحيوانات، وبطريقة ملفتة تضاهي في حيويتها واقعية القرن التاسع عشر، فالمشكلة الأساسية عندنا تكمن في أن الحركة الفنية التشكيلية بقيت حركة افراد وأسيرة جمهور النخبة. وهذا يؤدي الى مزيد من الانزواء والتعقيد والانغلاق في الحياة التشكيلية المحلية والعربية.ولهذا فالفنان التشكيلي العربي يجد نفسه في جزر معزولة لا تساعد على التواصل مع المثقف العربي، الشيء الذي يشعرني بمزيد من الالم والمرارة والاحباط والانكسار، لاسيما حين اسمع كلام بعض المثقفين عن اللوحة الحديثة، وغالباً ما أتساءل: كيف يمكن لأستاذ متمكن من علوم الكمبيوتر والفيزياء والرياضيات واللغات من أن تكون حساسيته البصرية مبتورة بهذا الشكل، وأكاد أقول إنه لا يمكن في بلدان تنتعش فيها الأمية البصرية الفنية، أن نتكلم عن وجود جمهور للفن التشكيلي، وبالتالي عن ثقافة تشكيلية متداولة بين الجماهير العربية، لأن أغلب المثقفين عندنا، باستثناء فئة قليلة ونادرة، ما زالوا يفضلون اقتناء أعمال المدارس الكلاسيكية والرومانسية والواقعية، وبالتالي ما زالوا يتحركون في فضاء تقليدي جداً لجهة النظر إلى اللوحة الفنية. ووجود بعض اللمسات التعبيرية الانفعالية في لوحة حديثة تعتبر مجازفة خطيرة تؤدي إما الى إبهار جمهور النخبة من المتذوقين القلائل، واما الى صدمة الجمهورغيرالمهيأ أوالمؤهل لاستيعاب تعبيرات الجماليات التشكيلية الحديثة والمعاصرة.وهذه المفارقة الجمالية تطرح السؤال المقلق: هل نطالب الفنان ان يتخلص من المقولات التنظيرية ويعود الى اللوحة الواقعية المفهومة من الناس جميعاً، ام نطالب الناس بالارتقاء الى مستوى العمل الفني واستشراف جمالياته المعاصرة .
|