وخطره على المجتمعات الغربية، رغم محاولات الأعضاء البارزين في اليمين الأوروبي المتطرف إلى النأي بأنفسهم عن سفاح النروج من خلال تعزيز الفكرة التي تقول إن دافعه لم يكن الأيديولوجيا، بل الجنون.
لكن برييفيك لم يكن مجنوناً، فالتحقيقات التي أجرتها السلطات النرويجية بالتعاون مع البوليس الأوروبي والشرطة البريطانية المعروفة بـ «الاسكوتلانديارد» أظهرت العلاقة بين الرجل الذي وصفوه بالمختل عقلياً وجماعات متطرفة في بريطانيا، حيث أشارت صحيفة «الغارديان» البريطانية لاجتماع حضره برييفيك عام 2002 في لندن للمتطرفين الأوروبيين اليمينيين ومشاركته لأنصار اليمين البريطاني المتطرف في مظاهرة خرجت لشوارع لندن منذ سنوات قليلة.
ومعروف عن برييفيك أن له صلة بجماعة متطرفة تدعى: جيش الدفاع عن بريطانيا وهي الجماعة التي لم تنكر صلتها به وبعقد عدة لقاءات سابقة معه.. ولكنها سارعت بعد مجزرة النروج للإعلان بأنها جماعة سلمية وضد العنف والتطرف.
وهناك جماعة أخرى كان لبرييفيك علاقة بها وهي جماعة «أوقفوا أسلحة أوروبا» ومقرها لندن، وحاول برييفيك ، الانضمام إليها عدة مرات، ولكن طلبه رفض بسبب علاقاته بالنازيين الجدد في أوروبا.
وحسب صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، فإن برييفيك بدأ حملة الكراهية كما نشر على الفيس بوك بعد لقائه بعدة جماعات يمينية متطرفة في بريطانيا وهو ما تحاول الاسكوتلانديارد، حالياً التأكد من أنه تصرف بمفرده أو كان جزءاً من شبكة ما زالت تخطط لهجمات مماثلة في أوروبا .. خاصة بعد تصريحه خلال التحقيقات معه بأنه كان واحداً من بين ثمانين يمثلون خلايا نائمة في كل أنحاء أوروبا الغربية وأنهم يسعون للاقتداء بما فعله في محاولة للإطاحة بالحكومات، المتسامحة مع الاسلام في أوروبا.
ما قام به برييفيك، وما صرح به خلال التحقيقات معه لم يكن بعيداً عن أوروبا كلها فمنذ سنوات ظهر جان ماري لوبن زعيم ومؤسس حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، ويمثل أقصى اليمين، ويدعو للتخلص من المهاجرين، ويرفع شعاره المفضل «فرنسا.. للفرنسيين».
والأخطر من ذلك كله أن الأمر لم يعد يقتصر عن النروج وفرنسا وبريطانيا فقط، بل هناك تحذيرات لامتداده لباقي أوروبا، خصوصاً بعد ما ثبت أن جريمة برييفيك تخفي وراءها أيديولوجيا عنصرية منحرفة لوقف هجرة الأجانب إلى أوروبا، فالعداء تجاه المهاجرين المسلمين كان يتنامى باطراد وبشكل خاص بعد وصول الأحزاب اليمينية المتطرفة الى البرلمان ومن بينها «حزب التقدم» الذي يتبنى برييفيك أيديولوجيته.
في الوقع لم يكن برييفيك المتطرف الوحيد في أوروبا، بل ثمة متطرفون خطرون بأعداد أكبر بكثير من المتوقع، هذا ما استنتجه الباحثان في «برنامج العنف والتطرف» في مركز أبحاث «ديموس» البريطاني، جيمي بارتليت، وجوناثان بيردويل، اللذان كتبا مقالاً حول الموضوع في موقع «فورن بوليسي» قالا فيه: «خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفي معقل أوروبا المتحضرة، كان اليمين المتطرف ينبعث ناهضاً، وقد سجلت أحزاب اليمين المتطرف السياسية نجاحات انتخابية غير مسبوقة في عدد من البلدان من بينها النمسا وفرنسا وهولندا والسويد، وحركات الشارع اليمينية المتطرفة التي تضم شباناً ناقمين، والتي بالكاد كانت تشاهد خلال حياة جيل، أخذت تظهر الآن بأعداد متزايدة في ميادين وساحات مدن تعج بالحركة، وحتى ارتكاب الجريمة كانت الحكومات وأجهزة الأمن تنظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها اتجاهاً مقلقاً، غير أن هذه النظرة تغيرت الآن إثر هجوم النروج المذهل والمأساوي»
وإذا كان لكل من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا خصوصياته، إلا أنها جميعاً تستجيب لهواجس حقيقية لدى العديد من الناخبين الذين يرون أن العولمة المعاصرة لم تفدهم، وأن الهجرة المكثفة، خصوصاً من بلدان ذات أغلبية مسلمة -تهدد الهوية المحلية والوطنية. وهو ما عبرت عنه صراحة أحزاب يمينية متطرفة أمثال حزب الحرية بزعامة غيرت فيلدرز في هولندا وحزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن في فرنسا وغيرها من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
ومن الواضح اليوم، أن شريحة كبيرة من الناخبين الأوروبيين قد تأثرت بهذه الأفكار اليمينية المتطرفة، وفي الوقت الراهن تضع استطلاعات الرأي لوبن في المرتبة الثالثة بين المرشحين الأوفر حظاً للفوز في انتخابات الرئاسة الفرنسية في العام 2012.
وحزب الحرية بزعامة فيلدرز، هو أيضاً ثالث أكبر حزب في هولندا.
وفي الدول الاسكندنافية حققت أحزاب (الفنلنديين الحقيقيين) والشعب الدنمركي والديمقراطي السويدي، أفضل نتائج انتخابية في تاريخها خلال الفترة الأخيرة، وفي ألمانيا والنمسا تتعاظم قوة أحزاب اليمين المتطرف، وهو ما يثير مخاوف أوروبية من ماض بغيض.
وفي المجر أصبح حزب «الحركة من أجل مجر أفضل» ثالث أكبر حزب سياسي في البلد بعد أن ضاعف مقاعده في البرلمان في الانتخابات الأخيرة.
وما قد يكون أكثر دلالة هو أن القوة المتعاظمة لهذه الأحزاب تمارس قوة جذب على تيار الوسط السياسي.
ففي الآونة الأخيرة أعلن كل من ديفيد كاميرون وانجيلا ميركل مون النخبة التعددية الثقافية في أوروبا.
وسط هذا الصخب السياسي، يبرز أكثر فأكثر تيار جديد من مجموعات قومية ويمينية متطرفة تتخذ الشارع مقراً لها كما حدث في بريطانيا حيث استخدمت «رابطة الدفاع البريطانية» مزيجاً مشابهاً من أفكار يمينية متطرفة لتطلق عام 2006 حملة احتجاج ضد ما اعتبرته أسلحة زاحفة في المجتمع البريطاني.
وإذا كان اليمين السياسي ينأى بنفسه عن تلك المجموعات المتطرفة، إلا أن من المؤكد أن هناك بعض التداخل الأيديولوجي بين الاثنين، فكلاهما يشترك في الخطاب الذي يعلن أن الحضارة الغربية مهددة من قبل دعاة التعددية الثقافية في أوروبا كما يزعمون.