الإجابة نسبية..
وتبدو محملة بعدة افتراضات خاضعة لشروط زمانية.. مكانية.. وأخرى فنية، بمعنى: النظر إلى الأداة التي ترسخ وجود أحدهم على حساب آخرين.. تلمع بعضهم وتخفت الضوء الذي لاحق لزمن البعض الآخر.
بعض من شخصيات أوجدها أدباء.. التهمت كل الضوء.. وحنطت ذكر خالقها.
تبادلوا لعب الأدوار... لكن ليس إلى حين، بل إلى عدة أحايين، إن لم نقل: دام أو سيدوم ذكرهم معظم الأحايين، قياساً لدوام ذكر مبتكريهم.
وكما لو أن وجود الأديب المبدع عندما تتفشى شهرة شخصياته، إحداهاعلى أقل تقدير، يبدو مجرد سبب أوصل إلى نتيجة مفادها: انكفاء ذكره قبالة اتساع بقعة ضوء (مخلوقاته الورقية).
تكتسح في كثير من الأحيان، الذاكرة البصرية السينمائية، دور نظيرتها المرتبطة بالكلمة، ولربما جازت تسميتها ذاكرة الكلمات الذاكرة الأدبية.
كيف لهذه الأخيرة الصمود أمام إبهار الصورة.. وإن احتوت الآلاف من الكلمات.. الأفكار.. القيم.. التشابيه.. التصاوير.. وغيرها؟.
وعلى اعتبار: أن الفرضية السابقة قد لاتصح في بعض الحالات.. إلا أن ذكر شخصية (جيمس بوند) العميل صاحب الرقم (007) يؤكد دقتها وصوابيتها في حالات أُخر.
خلدت السينما وجود هذا النموذج من العملاء، الجواسيس، وأكسبته شهرة استمرت بالاتساع حتى طغى صيته على صيت مبدعه.
من مبدع جيمس بوند؟
إيان فيلمينغ، الملقب بصانع الجواسيس والذي لايكاد يعرف إلا من خلال شخصيته الأبرز جيمس بوند، ولد في 28 أيار عام 1908م، وتوفي في الثاني عشر من آب عام 1964م.
أديب وصحفي بريطاني كان من أسرة ارستقراطية، لم يكتب له النجاح في المدرسة، نتيجة مغامراته اللامعقولة، إلا أن والدته أصرت على جعله يلتحق بإحدى الكليات العسكرية، وفيها أيضاً فصل دون أمل بالعودة.
عمل الشاب في إحدى شركات الأسرة الخاصة بشؤون السمسرة والأوراق المالية، وهناك حقق تقدماً ملحوظاً معتمداً على أفكاره الفذة، ماضاعف من أرباح الشركة.
لم يستقر إيان في هذا العمل، فانتقل من لندن إلى ليفربول ليتعرف على أحد أصدقاء العائلة، الأدميرال (جون جودفري)، وكان آنذاك يشغل منصب رئيس المخابرات البحرية البريطانية، وهو الذي جرّ فيلمينغ للعمل في المخابرات برتبة ضابط في البحرية.
فيلمينغ خارج قبضة
عميله السري..
لدى معرفة تفاصيل العمليات الاستخباراتية التي حاكها عقل إيان فيلمينغ أثناء معاصرته للحرب العالمية الثانية.. لاتبدو حكاياته التي كتبها عن بطل رواياته العميل السري (جيمس بوند) بالشيء الخارق الذي لايصدق.
في هذه الأثناء.. لم يكن بوند في حيز الوجود، وكان إيان لم يزل حراً خارج هيمنة العميل (007).
من أبرز عملياته، تلك التي أطلق عليها اسم (العرّاف) وكانت حول معرفة شخصية (رودلف هيس) نائب هتلر، الذي كان ذا اهتمام بعلم الفلك، ويتأثر بقراءة الطالع، وهو ما استغله فيلمينغ، فجند علماء فلك سويسريين لحساب المخابرات البريطانية كانت مهمتهم قراءة طالع النائب (هيس).
وبذلك أصبح هذا النائب في مرمى هدف إيان، الذي عمل على زرع الخلاف بين هتلر ونائبه، وهو مايؤدي إلى إضعاف الجبهة النازية في الحرب.
من أفكاره أيضاً.. أنه عمل على إنشاء إذاعة ألمانية موجهة يستمع إليها الألمان، تعمل على نقل أخبار قادتهم وجبهتهم طوال فترة الحرب.
وكانت خطته تقتضي أن يتم الإيحاء أن فريقاً من جنرالات الجيش المعارضين للنازية هم من يتولون البث، من مكان مجهول داخل ألمانيا.
وليجعل هذه الإذاعة ذات مصداقية لدى الألمان لم يتورع عن سب وشتم الساسة البريطانيين، وعلى رأسهم ونستون تشرشل الذي تم وصفه على أثير هذه الإذاعة بالخنزير المريض.
بهذه الطريقة وشيئاً فشيئاً تسلل فيلمينغ إلى داخل الروح الألمانية، وأخذ يبث بالتدريج قصصاً ملفقة عن قادتهم.. دون أن يفكر أحدهم أن تلك الإذاعة إنما هي بريطانية الأصل، قابعة في قلب لندن.
يحتفظ الأرشيف المخابراتي البريطاني بالكثير من القصص عن عبقريات (إيان) أثناء الحرب، وهي فترة تشهد على صعود شهرة المبدع، لكنها بقيت شهرة محصورة بذاك الزمان، وضمن أروقة الأبنية المخابراتية البريطانية..لاغير.
لم تتعد حدود الزمان إلا بظهور بطله (بوند)..
وبهذا من منهما كان ظلاً للآخر.. من استمد بريق الضوء أكثر.. ومن كان وجوده رهناً بصاحبه؟.
يحدث أحياناً أنه وبدلاً من إقرار علاقة تكاملية مابين المبدع.. ومايبدع، تظهر للعلن علاقة ندية.. تطغى عليها حرب المنافسة.. حتى لوجاءت تلك المنافسة والمزاحمة من مخلوقات ورقية..