مهزومة، ويسقيني من الكأس الذي لطالما حلمت أن أحرر من ذكرياته المميتة والقائمة في ذهني حتى الآن، جعلت الحياة في نظري جثة هامدة تكاد عظامها تتفكك وتختلط بتراب الأرض الدميم، تتواطأ الأقدام عليها من كل صوب... كم دفعتني هذه النيران إلى أن أكون فدائية أقف إلى جانب وطني المنيع، وأعمل على ردع العدوان عن صاحبي الحقوق المغتصبة والقلوب البيضاء لأدافع عن أطفالنا الأبرياء.
فتحرير غزة الحبيبة من قيود الذل والإهانة لم يعد بعيداً واسترجاعها سالمة من غربة... القهر والاستبداد أصبح محتماً.
شوقي الآن إلى رؤية طفل بريء ملأ الحزن عينيه تعود الإبتسامة مرتسمة على وجهه تنشر خيوطها التي تضرب زوايا غرفته الباردة وتضفي على عالمه الرهيب شيئاً من المحبة والسعادة.
فلعل أيامي تشرق بالضياء وينجلي الحزن منها، هؤلاء ليسوا بعاديين... إنهم أطفال الحجارة.
فمن يفكر في معنى هذه الكلمة يدرك ما فيها من مبادئ يعيشون من أجلها وصبر وحكمة يرونها ملجأهم الوحيد وفيها تمسكهم بعنفوانهم الشامخ في وجه عدو الأمة فكم سأكون متفائلة لو أن أمنيتي تتحقق في سماع نبأ من أنباء الرائي يخبرنا أن الأمل لا يزال معقوداً في القضاء على آفة الشعوب (اسرائيل) وعودة قدسنا الحبيب من لهيب الأرض إلى جنة الفجر وإعادة الحق إلى صاحبه، ومع ذلك فإني أعاهدكم يا جنود فلسطين أن شمس الحرية ستشرق في رحب فضائكم وتقضي على ليلكم الدامس، ستأتيكم حاملة في طياتها أهازيج النصر والانتقام، فمهما طال هذا الصمت الرهيب على أمتنا العربية لا بد لها من أن تستيقظ منه وترى نور الحرية يشع في سماء أرضنا الطاهرة وينير درب الأجيال بالسلام والأمان وأنا على ثقة أن يومنا هذا لن يتكرر وسيكون الغد أجمل بأياد بيضاء وشهداء تروي بدمائها الزكية ظمأ الأرض الطيبة، وأن هذه النيران ستنطفئ بهمة رؤوس لم تنحنِ أمام ظالم رصعت التاريخ بملحمة البطولة والفداء.