وأكثر ابتعاداً عن العائلة وأجوائها الدافئة، كما يقولون، لكن الحقيقة أن غالبية الشباب يعيشون أجواء رمضان الروحانية، ويسّرون بها، ويتقبلون متطلبات الصوم وتقاليده.
رمضان محطة سنوية يهجع إليها الناس، ليعودوا إلى تقاليد أهملوها، وإلى تآلف وتكافل اجتماعي هجروهما في ظل هجمة السوق الاستهلاكية وحاجات الحياة
الملحة، والصراع الدائر من أجل لقمة العيش. إنه شهر هدنة مع الإسراف في طلب الدنيا، وعودة إلى التقاليد الإيجابية المتوارثة. فهل يعيش شباب اليوم طقوس رمضان الاجتماعية وتقاليده العريقة؟ وكيف يمضون أيام الشهر الكريم ولياليه؟ وهل تختلف عاداتهم فيها عنها في بقية أيام السنة؟ وما تأثير روحانية رمضان على سلوكياتهم وحياتهم؟
---------------------------------------
بين جيلين
يقول محمد (27 سنة) “الزمن تغير، وشهد عصرنا تطورات كثيرة لم تكن موجودة في ذلك الزمن، فنحن نعيش عصر ثورة الاتصالات، فحل التلفزيون مثلاً محل الحكواتي في الأيام الخوالي، وكذلك أصبح الهاتف المحمول أمراً عادياً جداً بين أيدي الشباب والفتيات، بينما كان في الزمن الماضي شيئاً أشبه بالخيال، كما فتح الانترنت عالماً واسعاً للتعلم والمعرفة والتواصل مع الآخرين. كل ذلك لا بد أن يغير العادات والسلوك ويفرض نفسه على أسلوب الحياة العصرية”. ويتابع “لكن هذا ليس سوى الظاهر، فإن ينشغل الشاب لبعض الوقت على الإنترنت، أو تتابع صبية بعض مسلسلات التلفزيون، لا يعني أن الجيل الجديد يبتعد عن أجواء رمضان الروحية، فنحن أبناء عصرنا، وهذا لا ينفي أننا نعيش أيضاً تقاليد رمضان الاجتماعية”.
-----------------------------------
تواصل أسري
تقول صفاء محمود (23 سنة) إنها تحرص في شهر رمضان المبارك على مرافقة أهلها في تلبية الدعوات العائلية على الإفطار، لا سيما في منزل الجد والجدة ومنازل الأقارب، فرمضان فرصة رائعة لإعادة التواصل بين أفراد العائلة، بعد أحد عشر شهراً من الانشغال بهموم الدراسة والعمل، حيث تلتقي بنات خالتها وعمومتها، وتمضي معهن أمسيات جميلة طوال أيام الشهر الكريم”. وتضيف “جاء رمضان هذا العام في العطلة الصيفية، ولذلك ليس هناك التزامات دراسية، ما يجعلني أعيش أيام هذا الشهر بمتعة حقيقية، ولا تنكر نسرين أنها تمضي نصف النهار في النوم!. فهي تستيقظ قبل الظهر بقليل، بعد سهرة تمتد حتى السحور، وتقول إن نشاطها الحقيقي يبدأ بعد الإفطار، حتى إن نهارها ينقلب ليلاً وليلها نهاراً، لكنها سعيدة جداً بذلك، وتجده ممتعاً وجميلاً، وخصوصاً في هذا الصيف الملتهب!.
------------------------------------
مشاريع خاصة
يقول عبد الرحمن حسن (22 سنة)، وهو شاب مفتول العضلات، إنه لا يقوى في شهر رمضان على متابعة تمريناته الرياضية في أحد أندية كمال الأجسام، لأن تمارين بناء الأجسام مرهقة وصعبة وبحاجة إلى كميات كبيرة من الغذاء، وذلك لا يتناسب مع الصوم، ولهذا فإن تمريناته تراجعت كثيراً خلال هذا الشهر، لذا فإنه سيعوض ذلك بعد عيد الفطر، وهو يكتفي حالياً ببعض التمرينات البسيطة بعد الإفطار، لكي لا يفقد لياقته. ويضيف “أستمتع كثيراً في رمضان بصحبة أصدقائي، فنذهب إلى مقاهي دمشق القديمة ومطاعمها، وتمتد بنا السهرات حتى وقت متأخر، وأحياناً إلى موعد السحور، فأتناول سحوري هناك وأعود إلى البيت، مما يعرضني للانتقادات من قبل الأهل، لكني أجد أن رمضان فرصة للتواصل مع الأصدقاء، وخصوصاً أولئك الذين لا تسمح الظروف بلقائهم كثيراً خلال أيام السنة”. ويتابع عمار أنه يرافق أهله في الولائم الرمضانية ويوجد في المنزل على الإفطار دائماً، وخصوصاً عندما يكون هناك ضيوف، ولا يعتبر أنه يخرج عن تقاليد رمضان المعتادة، لكن لديه أيضاً مشاريعه الخاصة في هذا الشهر.
-------------------------------------
أجواؤك يارمضان
أكثر ما يعني حسان هلال في شهر رمضان أجواءه الروحانية الشفافة كما يسميها، فهو يلتزم يومياً بصلاة التراويح في المسجد، وهناك يلتقي الكثير من رفاقه في الحي، ثم يخرجون معاً للتنزه، وأحياناً يرتادون المقهى، لكن سهراتهم نادراً ما تمتد إلى منتصف الليل، حيث يسارع إلى المنزل، لكي يتناول طعام السحور بين أفراد أسرته. وهو يسر كثيراً باجتماع الأهل والأقرباء على موائد الإفطار، فهذه من تقاليد رمضان المتوارثة. ويضيف أن صلة الأرحام في هذا الشهر الفضيل هي واجبات لا تكتمل طقوس رمضان دونها.
--------------------------------------
تسوق ومسلسلات
أما ميساء خير فتقول إنها تمضي ساعات يومياً على الانترنت، فهي تجد الكثير من أوقات الفراغ، وتخشى الخروج من المنزل في الجو الحار، وعما تطالعه تقول إنها غالباً ما تبحث عن وصفات جديدة لأطباق شهية، لتسلي نفسها عن الجوع الذي تشعر به، وتضيف ميساء مازحة “لم تنجح معي وصفة واحدة”، وغالباً ما تكون الأطباق التي تصنعها على هامش المائدة، بينما تستمر الوالدة في التفوق عليها.
تقول نور أحمد إنها تحب التسوق كثيراً، لكنها هذه الأيام لا تخرج إلى السوق صباحاً بسبب الحر، وغالباً ما تذهب مع إحدى الصديقات بعد الإفطار. وتضيف أنها لا تقطع فرضاً في هذا الشهر الفضيل، وتمضي سهرات رمضان مع الأهل في منزل أحد الأقارب أو القريبات، وأحياناً لا يخرجون فتشاهد التلفزيون، وهي معجبة كثيراً بالمسلسلات التلفزيونية الجديدة، وتحرص على متابعة جميع الحلقات.
ويقول رائد مصطفى (24 سنة) إن أجمل الأمسيات يقضيها في الخيام الرمضانية التي تنتشر في كل مكان، فقد أصبحت هذه الخيام من تقاليد رمضان الحديثة، وهي تجد إقبالاً كبيراً من الشباب والفتيات والأسر الدمشقية. أما عن نشاطاته الأخرى في الشهر الكريم، فيقول إنه يحرص على أن يختم القرآن الكريم مرة واحدة على الأقل، ويلتزم بالصلوات الخمس، وفيما تبقى فإنه يقضي بقية النهار في النوم، أما مساء فيذهب مع الأصدقاء.
--------------------------------------
إحياء التقاليد القديمة
يقول عبد السلام يحيى(26 سنة) إن رمضان شهر عبادة، تصفو فيه النفس وتتجه إلى خالقها، فتسمو وتهدأ، وتزداد تسامحاً وتمتلئ بالمحبة. وأكثر ما يستهويه في شهر رمضان تلك التقاليد القديمة التي يحاول البعض المحافظة عليها وإحياءها، وهو يشجع على ذلك، ويضيف: صحيح أن المسحر لم يعد له حاجة في زمن انتشرت فيه المنبهات وأجهزة الموبايل التي تتضمن منبهاً، وهو ما يعتمد عليه الأغلبية، إلا أن لمرور المسحر في أحياء دمشق، رونقاً خاصاً، فهو طقس من طقوس رمضان الجميلة. ويضيف عبد السلام إنه يأسف لتراجع العادة الدمشقية العتيقة في تبادل الطعام بين الجيران، وغربة هؤلاء الجيران عن بعضهم البعض في الأحياء الحديثة، فالرسول الكريم أوصى بسابع جار، وهو يأمل أن يستعيد رمضان هذا الطقس الاجتماعي الجميل. أما كيف يمضي أيام رمضان ولياليه، فيقول إنه يقضي وقتاً لا بأس به في المسجد بعد الإفطار، ولا تتغير عاداته كثيراً في رمضان لأنه يلتزم بوظيفة صباحية، فالعمل عبادة أيضاً كما يقول.