تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العطل من عفيفة

ساخرة
الخميس 25-8-2011
معتصم دالاتي

المولود الجديد الذي فرح به أمه وأبوه وجده وجدته وجميع أفراد عائلته كبر وصار يلثغ بكلمات أحلى من الشهد على القلب، صار يقول ماما،بابا، فتضج الدار ومن فيها بالسعادة والفرح، فهو طفل جميل وذكي ويكبر وينمو بسرعة.

فلقد أصبح يافعاً وشاباً يأخذ العقل، وها هو يكسب من عمله ويتحمل المسؤولية، وأية فتاة تتمناه عريساً لها.‏

فهو في سن الزواج ويستطيع أبوه أن يضع رأسه على المخدة ويغادر هذه الحياة الفانية وهو مطمئن على اسمه واسم عائلته وثروته من بعده، فالذي خلف ما مات.‏

تمت الفرحة الكبرى وتزوج هذا الذي كان صبياً ثم شاباً وكانت عروسه التي تم اختيارها من قبل أهله تحمل كل المواصفات التي تليق بإبنهم حفظه الله..آمين.‏

فالعروس جميلة وأصيلة ومن عائلة تتناسب مع عائلتهم وهي مهذبة وخلوقة ومطيعة وتعرف قدر زوجها وعمها وحماتها، وكان إكليلهما يوماً مشهوداً تحدث عنه الأهل والأقرباء والأصدقاء والجيران وجميع المدعوين الذين سهروا ليلتها وأكلوا وشربوا ورقصوا على أنغام الموسيقا حتى الصباح.‏

ولشدة فرحة الأم بابنها في حفل الإكليل وهي تتابعه بنظراتها الملأى بالسعادة وهو يتأبط ذراع عروسه المرتدية بزة الفرح البيضاء الطويلة والتي يمسك بذيلها صبيان صغيران يسيران وراءها، والشموع تتراقص بالضوء ولعلها أم العريس وهي في أوج انفعالها تذكرت يوم عرسها إذ فاجأها زوجها أي أبو العريس وهو يتأمل عينيها اللتين تدحرجت منهما دمعتان، وكاد هو يومها أن تفلت من عينيها ذات الدموع، لكنه تمالك نفسه، فالدموع هي فقط للنساء حتى في لحظات الفرح.‏

مضى شهر واثنان وستة أشهر.. ثم سنة ومازالت العروس في أوج أناقتها تلبس ذات الثياب التي حملتها في «البقج» من بيت أهلها إلى بيت العريس قبل العرس.‏

بدأ الهمس بين الأهل والجيران والأقرباء ثم التلميح بعدها التصريح فالزوج كامل الفحولة والرجولة وعلى الزوجة أن تفي بالغرض.‏

في اجتماع عائلي ضم الأم والأب وابنهما، فاتحاه بأمر الزوبعة التي تأخرت بالحمل، فهما يريدان له ولداً يحمل اسم العائلة كما فعل أبوه وجده وجد جده من قبل.‏

ولأن الأطباء من ذوي الشهرة والاختصاص تلك الأيام كانوا في فرنسا أو لبنان ، فقد استجاب الزوج لمشورة أمه وأبيه بالتوجه مع زوجته إلى بيروت ودون أي تأخير لإجراء الفحوص الطبية لمعرفة الأسباب.‏

وحيث إن تلك الأيام لم يكن في حمص تليفونات أو إنها محدودة العدد والرسائل تأخذ أشهراً للوصول، فقد كانت البرقية التي يسمونها تلغراف هي وسيلة الاتصال السريعة الوحيدة، ولأن الأهل كانوا على أحر من الجمر لمعرفة نتيجة الفحوصات الطبية ورأي الأطباء الذين في بيروت، فقد تلقوا أي الأهل بعد أيام برقية من كلمتين« العطل من عفيفة» وشاع خبر البرقية في الحي، ثم الأحياء المجاورة ثم صارت العبارة التي وردت في تلك البرقية مثلاً يتندر به أهل حمص.‏

وبالرغم من أن المسكينة عفيفة كبرت وشاخت ثم ماتت منذ زمن بعيد، إلا أن الحماصنة ومنذ يوم البرقية الذي يرجع إلى مطلع القرن الماضي، مازالوا حتى الآن مع كل رواية لأي حادثة فيها إشكالية يرددون «العطل من عفيفة» مع أن عفيفة رحمها الله لم تكن لتتحمل سوى مسؤولية فيزيولوجية واحدة لا ذنب لها فيها، وهي عدم قدرتها على الإنجاب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية