فهو عند العرب ربيع لكن لماذا يسمى في لندن وباريس وبرلين وغيرها من المدن الأوروبية بتمرد عصابات تفتقر للمكون الأخلاقي، وكأنها من الفواضل البشرية في المجتمع الأوروبي ولايجوز أن ترقى أحلامها إلى حلم بالربيع، فالربيع عند العرب فقط كما كانت رياح التغيير والديمقراطية في عصر المتغيرات الأكثر تدميراً لحضارة العالم منذ الربع الأخير من القرن العشرين حتى نهايته حيث تخصص هذا المصطلح مع حقوق الإنسان في النظام الاشتراكي العالمي وفي دولته حينها الاتحاد السوفييتي.
وكم رأينا حينها من غطرسة دولية ليس لها منطق وحدود إذ كان الإظهار مجحفاً بأن المنظومة الشيوعية يجب أن تفتح لرياح التغيير والديمقراطية وحقوق الإنسان والمنظومة الليبرالية حتى بثوبها الجديد هي النموذج.
وحدث ما حدث وتغيرت خارطة العالم بزوال المنظومة الشيوعية التي حملوها مظاهر توترات العالم وحروبه وأحلافه العسكرية والاقتصادية كافة وادّعوا أمام المجتمع الدولي أن العالم قادم عبر الليبرالية الجديدة والقيادة الأميركية الوحيدة للعالم بأن عصر الحروب سوف ينتهي وأن العالم سينتقل مباشرة إلى تكامل المنافع وتبادل المصالح وستكون الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن في حالة تحقيق العدل الدولي على أفضل صورة ولن تبقى قضايا التوتر في جميع القارات عالقة وسيصل كل شعب إلى حقوقه وسيادته ومشروعه الوطني والسياسي عبر الحق المصان لتقرير المصير بالإرادة الوطنية الخالصة.
وما إن استتب لأميركا الحال وصارت تمثل القطب الوحيد الذي يقود العالم حتى بدأت تنقلب على كل ماتم طرحه حول الديمقراطية حيث قتلت الديمقراطية الدولية وتم الشروع بقتل الديمقراطيات الوطنية بحجة رياح التغيير التي يجب أن تدخل إلى كل بلد ولو لم يكن لها مساس بالمصالح الوطنية للبلد المعني ولو نسفت أمنه وتقدمه واستقراره المهم أن تدخل.
ثم صار يتضح أن أميركا تصدر نظام دولتها ليكون النظام الدولي ونموذج حياتها ليصبح نموذج الحياة العالمية ومن لايباشر ما تأمر به سيتعرض للعقوبات العالمية على الفور.
ومنذ العام 1993 وإظهار مصطلح العولمة وإعطاء البشرية فرصة عقد من الزمان كي تكون قد هيأت نفسها للدخول فيه بالنمط الأميركي صارت السيادة العالمية على المحك والمشاريع الوطنية مرفوضة حيث سيكون للعالم المشروع الدولي الوحيد القائم على منطق نظام اللانظام ورأينا لاحقاً كيف استبدلوه بمصطلح الفوضى الخلاقة.
ولو تتبعنا العقدين الماضيين سنجد أن أميركا لم تستطع قيادة العالم بشهادة قادة عالميين وعلماء في الاجتماع والسياسة حيث لم يكن لديها الرصيد الأخلاقي المطلوب لقيادة النظام الدولي وخاصة في إدارة المحافظين الجدد ولكي تخيف العالم حرقت نفسها وشكلت التحالف الدولي تحت لافتة الحرب العالمية على الإرهاب حتى تتمكن من إشعال الحرائق في كل العالم.
ومن أفغانستان كانت البداية ولذلك سقطت كل المشاريع الأميركية الزاعمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وظهر الانحياز الكامل للمشروع الصهيوني ولو بتدمير الحقوق التاريخية وتدمير الفلسطينيين على غرار الهنود الحمر.
ولقد شنت أميركا الحروب في كل العالم وعلى كل العالم وسخّرت مؤسستي الشرعية الدولية من أجل مصالح اللوبي الصهيوني وتنكرت للحقوق المشروعة للعرب ورفضت الحلول العادلة والشاملة وزودت إسرائيل بآخر ما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية لديها وساهمت معها في الحربين على المقاومة اللبنانية وغزة وها هي تتعهد للكيان الصهيوني بعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول القادم.
إن أميركا التي فعلت بالمصالح القومية العليا للأمة العربية ما فعلته وتساند إسرائيل في كل شيء وخاصة في تبني تهويدها للأراضي العربية المحتلة.
أميركا اليوم لم تعد عدوة للعرب بل صارت تقود الربيع العربي حتى يحقق العرب المزيد من الديمقراطية والتقدم والحرية والعرب لا يتذكرون لأميركا أي عداء بل يجدون أنفسهم معها ومع إسرائيل في خندق الحرية والربيع الواحد.
وقد قيل قبلاً: إن ما يريده الأعداء هو معاد وبغير مصالحنا والعرب اليوم يتحالفون مع الأعداء ولو خسروا مصالحهم ولم تعد لهم أي سيادة وحقوق وحق تقرير مصير، فأميركا لن تضيعهم كما لم يضيع التتار آخر ملوك بني العباس عام 1258م ولذلك أوضح السيد الرئيس في حديثه للتلفزيون العربي السوري أن علاقة سورية مع الغرب هي نزاع على السيادة فسورية متمسكة بحقوقها وباستقلالها وسيادتها ولن يكون قرارها الوطني نابعاً إلا من هذه القيم وأميركا مهما صنعت لن تصنع في سورية رئيساً وشعباً فنحن الأحرار في بلد القرار الوطني المستقل الذي هو أهم بكثير من أي قرار دولي.