تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إنقلاب السفيه على الفقيه

آراء
الخميس 25-8-2011
الشيخ حسن حيدر الحكيم

منذ مئة عام تقريباً كان الشيخ الجليل عبد الحميد الزهراوي شهيد السادس من أيار يتمشى في إحدى مساءات مدينة حمص وعند مروره في مركز المدينة آنذاك وجد مجموعة من عسكر العصملي (العثماني)

قد نصبوا على رؤوس أشجار السرو والأكاسيا أضواءهم التي كان يسميها العامة (اللكسات) وقد جهزوا بنادقهم وآلات صيدهم وراحوا يغتالون طيور اليمام البني (الست ستيت) النائمة والآمنة على أشجار حمص وقد تناثرت طيور اليمام البني القتيلة على يد الجنود الأتراك العثمانيين هنا وهناك، فاستفز هذا المشهد غيرة، الشيخ الشهيد عبد الحميد الزهراوي، نعم غيرته على وطنه ومكونات وطنه حتى ولو كان القتيل طيراً يصطاده المحتل التركي العثماني فما كان منه إلا أن جمع أهل مدينته في درس من دروسه الشهيرة وروى للحمامصة أن هذه اليمامة الوديعة من عائلة تلك اليمامة التي لحقت بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يوم كان مهاجراً مع صديقه ورفيقه الصديق أبي بكر رضي الله عنه والتجأا إلى غار ثور فقام عنكبوت بغزل بيته وأتت اليمامة لتبيض وتصنع عشاً على باب الغار حمايةً للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وكان سؤال الشيخ عبد الحميد الزهراوي للحمامصة هل نقتل أو نسمح بقتل من قامت بحماية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصديقه الصديق رضوان الله عليه ؟!‏

وهكذا مشى هذا السؤال الذي استنفر ضمير السوريين قاطبةً ليصدر عن هذا الضمير تحريم قتل (الست ستيت) في كل أرجاء سورية، بل صار الحمامصة خاصة والسوريون عامةً يتبركون بإطعام ورعاية هذا الطير السوري الجميل. منذ مئة عام نزلت فتوى تحريم قتل اليمام البني (الست ستيت) ورغم استشهاد المفتي منذ قرابة تسعين عاماً ونيفاً بقيت الفتوى تعيش معنا حتى هذه اللحظات نعم رحل المفتي وبقيت الفتوى!!‏

هكذا كان الخطاب الديني السوري العريق وهكذا كانت المشاعر الدينية شكلاً لكنها إنسانية رقيقة ونبيلة مضموناً تعزف على أوتار قلوبٍ اعتمرها التقى والنقاء والتي لا تبتغي غير وجه الله سبحانه وتعالى ولا غرابة أن يقضي مثل الشيخ عبد الحميد الزهراوي شهيداً على مشانق الأتراك العثمانيين لأنه كان رمزاً من رموز حركة النهضة العربية آنذاك.. فمن كان يعلم أن أحداً تسري في دمه أحاسيس العروبة والإسلام والوطنية يأتينا هذه الأيام ليرفع علم من قتل الشيخ عبد الحميد الزهراوي وشنقه ظلماً في السادس من أيار في أحياء وأزقة عربية سورية، من كان يعلم أن سورية التي خرجت أعلام الفكر والثقافة تتحرك في أزقتها خفافيش تريد استبدال سماحة وطيبة الراحل المفتي كفتارو أو أبوة الشيخ الحمصي الراحل محمود جنيد رحمة الله ورضوانه عليهما بشراسة وسفاهة وحماقة مشبوهين تظهرهم الفضائيات العميلة والبغيضة.. من كان يعلم أن أحداً في سورية تسول له نفسه أن يستبدل الفقيه الذي تشهد له الأمة العربية كأستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي يحض على المحافظة على قوة سورية ومنعة سورية وعزة سورية ووحدة سورية بالسفيه الذي يدعو الناس للتخريب والطائفية وقتل العباد وتمزيق البلاد.. من كان يعلم أن أحداً يستبدل فقيهاً مناضلاً وشهيداً كعبد الحميد الزهراوي رحمه الله يحرم قتل طيرٍ سوري بسفيه يشرح للناس عبر فضائيته المشبوهة أن كيف تقتل وكيف تخطف وكيف تقطع الطريق وكيف تتمرد على فواتير الماء والكهرباء!!.. من كان يحلم أن أحداً في سورية يستبدل شيوخاً أجلاء نظموا الشعر ورسموا عهد النهضة وتزينوا بمواقفهم الإنسانية والصوت الخفيض الرقيق.. من يستبدلهم بسفيهٍ يقف ويصرخ ويحرض ويشتم على شاشته الفضائية.‏

سورية أيها الإخوة الدولة العريقة التي نامت على شعر الشيخ الجليل أمين الجندي وموسيقاه وعلى إعراب الشيخ محي الدين الدرويش ونحوه وبساطة وفلسفة محي الدين ابن عربي ومقاومة وتضحيات عز الدين القسام وورعه تستيقظ سفاهات من ينثرون الشائعات والأكاذيب، تستيقظ على حقد من يؤلب الناس ويخوف بعضهم من بعض ويمزق هذا النسيج الاجتماعي المتآلف الرائع الذي طالما طرز حياة السوريين عموماً .. نعم يا إخوتي في سورية الحبيبة إنه انقلاب بكل ما تعنيه الكلمة .. انقلاب السفيه على الفقيه .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية