بين الأجهزة الأمنيّة والجيش حول الاستعداد للعمليّة، فقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ جهاز الأمن العام (الشاباك) قام بتزويد الجيش الإسرائيليّ بمعلومات دقيقة عن العمليّة، ولكنّ الجيش لم يستوعب الإنذار المبكر، على حد تعبير المصادر الأمنيّة في تل أبيب، الأمر الذي مكّن المجموعة من إخراج العمليّة إلى حيّز التنفيذ وإيقاع إصابات كبيرة في الجانب الإسرائيليّ. وفي الوقت نفسه، كثرت التهديدات الإسرائيلية من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين ضد حكومة حماس في غزة محملين إياها المسؤولية عن العملية، وذهب بعض الوزراء في حكومة نتنياهو في تهديداتهم إلى ابعد من ذلك عندما طالب أفي دختر بإعادة احتلال شبه جزيرة سيناء، في حين اعترف وزير آخر بأن:» الحدود مع مصر لم تعد حدود سلام».
حيرة وارتباك
وعلى الرغم من أنّ جيش الاحتلال بادر بالرد على العمليّة بقصف قطاع غزة، إلا أنّ الحيرة والارتباك استحوذا على المؤسستين السياسية والأمنية الإسرائيلية، ولاسيما أنّ المقاومة الفلسطينيّة ردت على القصف الجوي بقصف بصواريخ من طراز (غراد) طال المدن الجنوبيّة: بئر السبع، عسقلان وكريات غات، والعديد من المستوطنات الإسرائيليّة المتاخمة لقطاع غزة. وكشف رون بن يشاي مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت العسكري النقاب عن أنّ أفراد المجموعة التي هاجمت قوات الاحتلال على طريق ايلات حاولوا إسقاط مروحيّة عسكريّة، وأطلقوا القذائف على القوات التي وصلت لتقديم المساعدة، كما أنّهم أطلقوا النيران باتجاه مكان وجود وزير الحرب، باراك، ورئيس هيئة الأركان العامّة، غانتس، عندما كانا في المنطقة يتشاوران مع القيادة حول كيفية التعامل مع المجموعة التي نفّذت العمليّة.
إعادة تقييم المعلومات الاستخبارية
من جهة ثانية،كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية، أنّ طريقة إدارة العملية التي نفذتها مجموعة كبيرة من المقاتلين الفلسطينيين وفي أكثر من منطقة على الطريق الرئيسي بين مدينة ايلات ومستوطنة متسفيه رامون في جنوب فلسطين، أثارت العديد من الأسئلة الصعبة في المؤسسة الأمنيّة والعسكرية في الكيان الصهيوني: السؤال الأول، بحسب المصادر الأمنيّة، يتعلق بمواصلة استعانة الجيش الإسرائيليّ بقوات الأمن المصريّة، كجزء من حماية الحدود الجنوبيّة، لافتةً إلى أنّه منذ توقيع اتفاق السلام مع مصر سمح الجيش الإسرائيليّ لنفسه بتفكيك جميع الوحدات العاملة في الجبهة الجنوبيّة، وأضافت أنّه في الأسابيع الأخيرة قام الجيش بإرسال عدد كبير من الوحدات للمرابطة على الحدود مع مصر، ولكنّ استمرار هذا الوضع يعود سلبًا على برنامج التدريبات المخطط له، ومن غير المستبعد الاضطرار إلى استدعاء قوات الاحتياط، أمّا السؤال الثاني بحسب المصادر عينها، فإنّه يتعلق بالمعلومات الاستخباراتيّة، ذلك أنّ إسرائيل لا تسمح لنفسها بتشغيل عملاء داخل الأراضي المصريّة وتعتمد في جمع المعلومات على الأجهزة الالكترونيّة وعلى المعلومات التي يتم جمعها من قطاع غزة، وبالتالي فإنّ الوضع الجديد الذي نشأ يُحتّم على صنّاع القرار في تل أبيب إعادة تقييم الأوضاع من الناحية العملياتيّة والاستخباراتيّة.
ونقلت يديعوت أحرونوت عن مصادر رفيعة في جهاز الأمن العام (الشاباك) قولها بإصرار إنّ الجهاز قام بتزويد الجيش بمعلومات دقيقة للغاية حول مكان العمليّة وحول الخليّة التي وصلت إلى المكان من قطاع غزة، ولكنّ الجيش رفض الاتهامات وقال إنّه لم يتوقع أنْ تُنفذ العمليّة في ساعات اليوم وبالقرب من ثكنة عسكريّة مصريّة، ولكن ما حدث أنّ الخلية أخرجت العملية إلى حيّز التنفيذ خلافًا لتوقعات الجيش الذي رفض الاتهامات، وقال مصدر أمنيّ رفيع المستوى للصحيفة المذكورة إنّ المعلومات المسبقة التي حصل عليها من الشاباك لم تكن دقيقة، لافتًا إلى أنّ الشاباك يقوم بعمل ممتاز في إحباط العمليات، ولكن في الفترة الأخيرة ازدادت كثيرًا التحذيرات من وقوع عمليات، وذلك نابع من الفوضى الأمنيّة السائدة في المنطقة بسبب ضعف القوات المصريّة، على حد تعبيره.
الشاباك.. تبادل اتهامات
ولكن مع ذلك، قالت هآرتس إنّ تبادل الاتهامات بين الجيش والشاباك سيكون من المواضيع الرئيسيّة التي ستعمل الجهات ذات الصلة على فحصها والتحقق منها، مشيرةً إلى أنّ ما يزيد الارتباك في صفوف المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة يتعلق بهروب أغلبية أعضاء المجموعة وعودتهم إلى سيناء دون أنْ يصابوا بأذى، على حد تعبيرها.و رأى المحلل للشؤون الاستراتيجيّة، أمير أورن في <هآرتس> أنّ عملية إيلات أصابت اتفاق السلام مع مصر بجراح بالغة جدًا، لافتًا إلى أنّه في الواقع لا توجد قوات مصريّة تُهدد الحدود مع إسرائيل، ولكن التعاون بين حماس وحزب الله والجهاد الإسلاميّ ولجان المقاومة الشعبيّة والجهاد العالميّ أوجد وضعًا في الجنوب لا يمكن تحمله، مشددًا على أنّ جارة إسرائيل، أيْ مصر، هي دولة معادية وتسمح للأعداء بمهاجمتها، وزاد: القوات الدوليّة العاملة في سيناء، بقيادة أمريكيّة، ضعيفة وهشّة للغاية، وخلص إلى القول: إنّ السلام مع كلٍ من مصر والأردن كان هدفه التقليل إلى الحد الأدنى من العمليات ضدّ الأهداف الإسرائيليّة، ولكن من دون حسني مبارك المخلوع، ومع حماس في غزة، ومع إدارة أمريكيّة لا تثق بالحكومة الإسرائيليّة الحاليّة، فإنّ القادم سيكون أسوأ من الأسوأ، على حد تعبيره.
في نفس السياق، رأى المحلل السياسيّ في صحيفة <معاريف>، بن كاسبيت، أنّ الوضع الأمنيّ في سيناء لن يتحسن، بل على العكس من ذلك، من غير المستبعد أنْ تتحوّل الحدود الجنوبيّة مع مصر إلى جنوب لبنان الثاني مع حزب الله، وبالتالي يتحتم على الحكومة الإسرائيليّة، أضاف كاسبيت، التعامل مع هذه الحدود على أنّها حدود إرهابيّة بكل ما يحمل هذا المصطلح من معانٍ، فقد تحولت سيناء برأيه إلى معقل كبير للإرهابيين، وهناك بنية تحتية خصبة جدًا للتنظيمات الإرهابيّة، وكل ذلك يجري من دون حسيب أوْ رقيب، وبالتالي إذا استمر الوضع على ما هو فإنّ إسرائيل ستخسر، وستخسر كثيرًا، على حد تعبيره.
حدث متدحرج
في حين، اعتبر المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، عملية إيلات أنها «حدث أمني سياسي متدحرج لم ينته بعد»، وأن الضرر المادي والسياسي الذي حصل لإسرائيل أكبر بكثير مما جنته في اغتيال منفذي ومخططي الهجمات، مشيرا إلى التصعيد الحاصل على الحدود مع قطاع غزة، والضرر السياسي الذي حصل في العلاقات الهشة بين إسرائيل والسلطات الجديدة في مصر.وقال المحلل إنه على إسرائيل أن تقوم الآن بمبادرة سياسية عسكرية تخدم مصلحتين بعيدتي المدى وضروريتين؛ الأولى منع التآكل في العلاقات المكشوفة مع النظام المصري الجديد وذلك بهدف الحفاظ على اتفاقية السلام، وتعزيز التنسيق الأمني مع الجيش المصري في سيناء، أما الثانية فهي تعزيز الردع مقابل قطاع غزة وتحديد قواعد لعبة محتملة تقلص النشاط الفلسطيني في سيناء، وذلك بهدف الوصول إلى فترة جديدة من التهدئة إلى ما بعد أيلول على الأقل.
واعتبر بن يشاي مصر الهدف الاستراتيجي العاجل والأهم. وأشار في هذا السياق إلى أن هناك من ينظر إلى المحاولة المصرية، الإعلان عن سحب السفير وطلب الاعتذار والتراجع، على أنها محاولة لتقليد النموذج التركي ومطالب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في أعقاب الهجوم الدموي على أسطول الحرية. وبحسبه فإن الفحص المدقق يشير إلى أن مصر، وخلافا لتركيا، لا تسعى إلى إذلال إسرائيل وإنما إلى إبداء موقف قوي تجاهها وذلك بهدف تبديد الضغوط التي يمارسها «أعداء إسرائيل السياسيون» على السلطات المصرية الجديدة.
الاعتذار من مصر
أما بشأن الاعتذار، فيقول الكاتب إن إسرائيل يجب ألا تجد صعوبة في الاستجابة لهذا الطلب، وأن تعبر عن أسفها للمس بشعور المصريين وكبريائهم كنتيجة لتصريحات شخصيات سياسية إسرائيلية. وأضاف إن الحكومة الإسرائيلية تستطيع أن تقول إنه لا يمكن مصادرة حرية التعبير عن الرأي وأن ذلك لا يعبر عن الموقف الرسمي، خاصة أن مصلحة مهمة مثل السلام مع مصر والتنسيق الأمني معها على كفة الميزان. وامتدح في هذا السياق بيان وزير الأمن إيهود باراك الذي عبر فيه عن الأسف ولكن من دون تحمل المسؤولية، وهذا هو المطلوب بالضبط، على حد تعبير الكاتب.
وأضاف الكاتب إن الكراهية لإسرائيل التي أطلقت بعد الثورة المصرية تؤثر على السلطات المصرية، ولكن العلاقات الوطيدة لإسرائيل ومصر مع واشنطن، والارتباط الاقتصادي والعسكري لمصر بالولايات المتحدة، والذي تزايد كثيراً بعد الثورة، يشكل ورقة مضادة تمنع مصر من «كسر قواعد اللعبة». وأشار إلى أن الدبلوماسية الأميركية تجندت لمنع تدهور العلاقات مع مصر، ومن الجائز الافتراض أنها ستثمر في الأيام القادمة، وأنه على إسرائيل أن تواصل البحث عن طرق تمكن مصر من فرض سيطرتها الأمنية على سيناء، وخاصة على المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وأنه من الممكن أن تضطر إسرائيل إلى الموافقة على تعزيز القوات المصرية في سيناء بقوات برية من دون مدفعية أو أسلحة ثقيلة أخرى، وان على إسرائيل أن تبحث عن طرق إبداعية، لا مجال لنشرها في وسائل الإعلام، لمتابعة «الإرهاب والتهريب» في المناطق الحدودية بموافقة مصرية وبالتنسيق مع مصر دون المس بالسيادة المصرية.
استكمال السياج الحدودي
ويخلص بن يشاي إلى أن جميع الجهات ذات الصلة بالتصعيد العسكري والسياسي الحالي؛ إسرائيل ومصر وحماس، لديهم مصلحة في إعادة التهدئة. وتوقع أن يعود الهدوء إلى الجبهة الجنوبية في الأيام القريبة، ليندلع بعده نقاش حاد بين وزارة المالية وبين الأجهزة الأمنية بشأن زيادة الميزانية المطلوبة لمشروعين هدفهما تغيير الوضع في الجنوب؛ الأول استكمال السياج الحدودي على طول الحدود مع مصر، والثاني شراء بطارية «القبة الحديدية» في السنة القريبة.