لكن ما يمتعه ويزيده سعادة هو قدرته فرض تصديق خدعه وأكاذيبه على الوزراء ونوابهم الذين يستشيرهم في بعض الأمور أحيانا، لكنه يتجاهل آراءهم ويضرب صفحا عنها عندما تتعارض مع رغباته. وفي مختلف الأحوال فإنهم جميعا يتملقونه لأنه ليس ثمة وزير لا يخشى من فقدانه لمنصبه الوزاري. وبذلك أصبح بيبي يماثل بتصرفاته أباطرة الرومان الذين يشكلون مجلساً للحكماء ويرفضون كل ما يصدر عنه من اقتراحات وتوصيات. لكن هذا الإمبراطور قد تخلى عن العزف على الكمان بعد أن نصبت الخيام في شتى أرجاء البلاد تاركاً وزير الدفاع يعزف على البيانو.
من حسن حظ بيبي أنه لم يكن رئيساً لوزراء إسرائيل قبل 21 عاماً، إذ إني مازلت أحتفظ بنسخة من جريدة يديعوت أحرونوت الصادرة بتاريخ 19 تموز عام 1990التي ورد بها الآتي: «توسع الحركة الاحتجاجية للمشردين، ونصب الخيام في جميع أنحاء البلاد يتزايد يوماً بعد يوم». ولحسن حظ اسحاق شامير الذي كان يتولى رئاسة الوزراء آنذاك أنه ما إن نشرت خيام الاحتجاجات وعمت سائر أرجاء البلاد حتى قام الرئيس العراقي بغزو الكويت وبدأ العد التنازلي لغزو العراق وإطلاق صواريخ سكود على إسرائيل.
نتيجة لموجة الهجرة الكبيرة في عام 1990، عمت التظاهرات سائر اتحاد البلاد لأن المواطنين أصبحوا يجدون صعوبة جمة في تأمين مساكن لهم. لكن ثمة اختلافاً بين ذلك الوقت الذي كان يفتقر به المحتجون إلى موارد مادية وبين المحتجين في الوقت الحالي في حي روتشيلد الذين لا يتوافر لديهم ما يقيم أودهم اليومي وليس لديهم من المدخرات التي تمكنهم من شراء منزل يقيمون فيه. كما أن ثمة اختلافاً آخر بين الماضي والحاضر لأن إسرائيل في ذلك الحين كانت تخشى من إطلاق صواريخ سكود عليها، وتعاني من نقص في مياه الشرب وفقاً لما ذكره المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلي نحمان شاي حيث قال إنهم كانوا يرتعدون هلعاً في غرف مغلقة ويرتدون الأقنعة الواقية وكان جل اهتمام الدولة آنذاك هو معالجة ما تتعرض له البلاد من تهديد أمني.
أما اليوم فإن نتنياهو يخشى مما «يتهدد» البلاد في شهر أيلول عندما تقوم الجمعية العمومية في الأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ولا يعلم أحد إن كانت ستؤسس هذه الدولة أم يعود الطرفان إلى المحادثات في اللحظة الأخيرة، وعندها ستجد إسرائيل نفسها بمواجهة احتجاجات من مواطنيها العرب ومن المستوطنين.
ليس ثمة حدث أمني في الوقت الحالي يحول دون تنفيذ الحكومة لوعودها بشأن معالجة مشاكل الطبقة الوسطى الذين رفع محتجوها لافتات في شارع روتشيلد كتب عليها باللون الأحمر:»شهر أيلول آخر اهتماماتنا».
ولم يعد بالإمكان خداع المحتجين في الوقت الذي يرى به المعلقون أنه ليس ثمة شك في أن الاقتصاد الرأسمالي قد ولى إلى غير رجعة لكنه أوجد هوة عميقة بين أولئك الذين يتحكمون بالمال والذين لا يجدون ما يقيم أودهم.
قال موشيه دايان: من غير الممكن إصابة هدفين في آن واحد، ويقصد بذلك الرعاية الاجتماعية والأمن. لكن خيام المتظاهرين تستدعي من الحكومة إعادة ترتيب أولوياتها التي تتناسب مع معطيات العصر الحاضر وتحقيق العدالة في توزيع الثروة.
لا نعلم كيف سيجد بيبي الحل المناسب لمشاكل الطبقة الوسطى ومعالجة احتجاجاتهم. ولا نعلم إن كان سيتذرع بما سيحصل في شهر أيلول كي يتمكن من تغيير الأجندة في الداخل خاصة في ضوء التصميم الذي لم نشهد له سابقة في البلاد من المحتجين الذين رفعوا عبارة ساخرة تقول: «بعد أيلول يأتي تشرين الأول».
لا ريب بأن بيبي قد خسر معركته، وأن زعيمة المعارضة تسيبي ليفني سطحية لا يمكن النظر إليها باعتبارها البديل المناسب. لذلك يرى الكثير من الشعب أن ما ستتمخض عنه الخيام سيدفع بقوة سياسية جديدة تمكن من الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
يبدو أن المتظاهرين لم يأخذوا بنصيحتي عندما قلت لهم اطووا الخيام، لكنهم استمروا بالمعركة مع تصعيدها لذلك عمدت الحكومة إلى تشكيل لجنة تراجتنبرغ. بيد أن بيبي لم يلبث إلا أن أعلن بأن الحكومة ليست ملزمة بقبول كل اقتراحاتها وتوصياتها الأمر الذي أوجد الشكوك من أن الهدف من تشكيلها كان خداع الشعب لذلك عمد المحتجون إلى تشكيل لجنة خاصة بهم.
بتقديرنا نرى أنه في ضوء وجود مثل هذا النظام لن يحدث أي تغيير، ولا يمكن إعادة النظر بتوزيع الميزانية. وإزاء ذلك، يبدي المقربون من نتنياهو تحسبهم وخشيتهم من انتشار الفتنة والفوضى في البلاد. وإننا نرى أن ما ظهر من احتجاجات تفجرت لم يكن إلا نتيجة توجيه الإنفاق وتركيزه نحو الدفاع والأرثوذكس المتشددين والمستوطنات. وإنه من المتعذر زيادة الإنفاق بمواقع معينة دون تغيير حقيقي في أولويات الدولة. لكن بيبي لا يرغب في إجراء مثل تلك التعديلات كما لا يرغب في الخروج من رئاسة مجلس الوزراء، لكن وفي مختلف الأحوال، ندعو بيبي للتوقف عن الخداع واللف والدوران والاستجابة لطلبات المحتجين.
بقلم يوئيل ماركوس