فالحادثة على ذمة وكالات الأنباء أنه ومنذ مدة، وفي إحدى مدن من بلاد الفرنجة دخل لصان إلى أحد المنازل، ولكي يقوما بالسرقة دون شوشرة أو منغصات، فقد قاما بتقييد أيدي صاحب المنزل وزوجته وابنهما البالغ ثماني سنوات من العمر، وبدأا بتمهل شديد البحث عما يرضيهما من أشياء ثمينة تتلاءم مع ما قاما به من مجهود ومخاطر أولاد الكار أي الحرامية.
وهنا حصل الأكشن الذي تمارسه السينما الأميركية، إذ صحا الطفل الرضيع وبدأ بالصراخ، ومن المعروف أن الطفل حين يبكي فإما من الجوع، وإما لأنه موجوع، وحسب دراية الأم بالموضوع فالجوع وحده هو الدافع لبكاء هذا الطفل الملاك، لأنها، وبلطف شديد، بل بتوسل، هي في حالة ضعف مزدوج، الأول بسبب القيد في معصميها من قبل هؤلاء اللصوص الأشرار، والضعف الثاني أمام بكاء فلذة كبدها الجائع، وهذا ما لا يتيح لها سوى خيار التوسل اللطيف من اللصين لإيجاد حل لهذه المعضلة الطارئة، فما كان من أحد اللصين بالتفاهم مع زميله إلا أن يحل القيد من يد الولد ذي ثماني سنوات ليرشده على الخطوات الواجب اتباعها، حيث قام هذا اللص، وبكل شهامة بتسخين الماء ووضعه مع بودرة الحليب في (الببرونة) وانتظاره ليفتر ثم تولى إرضاع الطفل بنفسه عوضاً عن الأب والأم الخاضعين للقيود.
ولم يذكر الخبر تتمة الحادثة وما حصل في أمر السرقة، سوى مشاعر الأمر المتأرجحة في أمر هذين اللصين اللذين أرعبا الأسرة باقتحام المنزل وتقييدهما والبحث عن المسروقات، ثم التصرف الإنساني بتهيئة الطعام لهذا الطفل البريء والقيام بإرضاعه بكل حنان.
وأنا أيضاً احترت لدى قراءتي لهذه الحادثة، وشردت طويلاً، وصفنت بأنه يمكن لك، أقصد لمطلق شخص في العالم أن يكون لصاً أو شريفاً، فقيراً أو غنياً، قاسياً أو رقيقاً، مثقفاً أو أمياً، نذلاً أو نبيلاً، شجاعاً أو جباناً، قوياً أو ضعيفاً، كريماً أو بخيلاً، نباتياً أو لاحماً، كائناً ما كان الواحد منا، وفي أي موقف أو زمان أو مكان، عليه أن يحافظ ولو على الحد الأدنى مما وهبت الطبيعة من أنسنة للإنسان.