دون ان يمس كيانها ونظامها واستقرارها، ولكن التدقيق في الامر يقود الى صورة مغايرة حيث بات ايضا واضحا:
أ- ان الفريق المعادي لسورية هو حلف واحد بقيادة اميركية صهيونية، نظمت قواها الميدانية والسياسية والاعلامية والاقتصادية بشكل ظن فيه المنظم بان طاقات سورية على المواجهة محدودة وانها ستسقط امام زخم الهجوم وشراسته خاصة وانه مركب متعدد السقوف والمراحل والاوجه، ولكننا لا نجد فيما تشكل تعددية في الأعداء والخصوم بل نجد حلفا متعدد الاطراف، فيه العربي الذي يقدم ماله واعلامه وكل طاقاته مهما كانت تافهة وفيه الاقليمي الذي يسخر ما يملك من وسائل الامن والسياسة، وفيه الاوروبي والصهيوني وتبقى القيادة معقودة للاميركي الذي يحاول ان يرمي بثقله الكوني ضد سورية الركن في منظومة المقاومة، هذه المنظومة التي تواجه متماسكة وانتقلت في العقدين الاخيرين من موقع المعرقل للمشروع الغربي في المنطقة الى موقع المانع له والحائل دون استمراره سالبا للحق ومصادرا للكرامات والسيادة.
ب- ان محاولات الحلف المعادي لسورية وبعد 5 اشهر من العمل المتجاوز لكل قواعد ومبادئ الدين والاخلاق والقانون، ان هذه المحاولات فشلت الواحدة تلو الاخرى بدءا من المراهنة على الانقسام الشعبي لتشكيل اكثرية شعبية تسير في مخطط نحر سورية والاجهاز على نظامها المقاوم، (المضحك بعد الفشل ان نسمع من بلد الديمقراطية العريقة –بريطانيا - ان الاقلية تكفي لتغيير النظام) مرورا بالعمل الامني الذي شاؤوه من اجل تقطيع اوصال المناطق السورية، وصولا الى قرارات مجلس الامن الذي املوا بان تكون بوابة العبور «للتدخل الانساني» الكاذب، وانتهاء بالملف الاقتصادي الذي شاؤوا منه تجويع الشعب السوري الذي خذلهم في مؤامرتهم واستمر باكثريته واعيا يحتضن دولته وجيشه متمسكا بسيادته وكرامته. وبات فرقاء الحلف المعادي هذا على يقين بان اوراقهم تلك باتت خاوية المحتوى بعد ان تمكنت الدولة السورية بقطاعتها شتى ان تصمد وتواجه وان تبقى الامور تحت سيطرتها ما ادى الى رسم صورة تظهر العجز الغربي مكرسا في ما يلي:
1- العجز عن القيام بالتدخل العسكري بكل وجوهه: حيث اننا نعلم بان دعاة التدخل لم يكونوا في الاصل موحدي الموقف حوله فالاكثر تطرفاً منهم كان يعمل من اجل تدخل على الطريقة العراقية ينتهي باحتلال سورية بعد ان يبدأ بحظر جوي، ثم قصف ينهك البنى التحتية السورية من عسكرية ومدنية وينتهي بانتشار عسكري في سورية تحت النار من أجل «حماية المدنيين»، او سقف أدنى حيث يبدأ باقتطاع ارض تقوم عليها «سلطة منشقة» تحميها قوات اطلسية عبر تركيا وتنازع الدولة شرعيتها وتتولى تباعا اشغال مقاعدها الدولية، وتستمر تستنزف قوات الدولة الشرعية حتى اسقاطها وفقا لما خطط في النموذج الليبي، او في المستوى الادنى ويكون بعد نجاح المنظمات المسلحة الخارجة على النظام في شق الجيش ووضع اليد كل على منطقة يستقل بادارة امارة له فيها، ثم يأتي الحلف الاطلسي لينفذ «انتشاراً عسكريا على البارد» اي احتلال من غير قتال ثم يحوله لاحقا الى استعمار مقنع تشرعه الاتفاقيات الامنية الجاهزة النصوص في الجعبة الاميركية.
لكن كل هذه الاصناف من التدخل سقطت الان بعد ان منع تشكل ظروفها، ما اضطر الحلف الغربي وعلى لسان الرئيس الفرنسي ساركوزي الى الاعتراف ب «ان التدخل العسكري في سورية غير ممكن» ثم يؤيده اكثر من فريق في الحلف «لا تدخل عسكري في سورية «لان ظروف اقليمية ودولية تمنع هذا».
2- العجز عن استعمال مجلس الامن وقرارته سيفاً للضغط والتهويل وتهديد سورية لاجبارها على الاستسلام لمطالب اميركا، وهنا كانت المفاجأة الكبرى او الصفعة التي تلقاها الغرب، اذ بعد تعطيل هذه الاداة لنيف واربعة اشهر، جاءت المحاولة الروسية متلمسة الطريق لجعل مجلس الامن اداة توازن دولي بعد ان جعلته اميركا اداة عدوان على الدول وسيادتها، ونحن وان كنا لا ننتظر ان تمرر اميركا اي قرار تطرحه روسيا لكننا نرى بانه يكفي ان تكون هناك مبادرة – اي مبادرة- تصدر عن خارج الحلف الغربي وملحقاته في مجلس الامن لنقول بتغيير ما وبان تعطيل مجلس الامن كسيف اميركي امر تصاعدي.
وهنا يكون من المفيد ايضا الالتفات الى دور الجامعة العربية التي اتخذت مدخلا لقرار مجلس الامن والتدخل العسكري في ليبيا، فانها في الحالة السورية لن تستطيع لعب الدور ذاته لان الارض السورية مختلفة والنجاح السوري اوصد الابواب امام التدخل في الشأن الداخلي مع انفتاحه على الحوار مع جميع المخلصين لسورية.
وعليه لا يبقى بيد الغرب من أدوات العدوان على سورية إلا سلاحين: الاعلام المنافق، والاقتصاد العقابي، وهنا نرى وبوضوح كلي مقدار عجز الاول عن تعويض فشل الهجوم بعد افتضاحه امام وعي السوريين، اما في السلاح الثاني فان الفعالية تبقى محدودة بسبب طبيعة الاقتصاد السوري وطبيعة الموقع الجغرافي السوري وعلاقاتها الاقليمية.
إذاً وفي تقييم عام نرى ان الغرب الذي بات يدرك عجزه في سورية سيحاول ان يبرر بعض وجوه هذا العجز ويعترف بها كما فعل في شأن التدخل العسكري ويكابر في الاخرى، و سيجد نفسه ملزما بسلوكين:
- عدم الاعتراف العلني الصريح بفشل المؤامرة على سورية لان في ذلك كما يرى خبراؤه كارثة استراتيجية له تضاف الى مخاطر ما يحدث في مصر ولذا سيستمر في استعمال الاعلام والاقتصاد للضغط وهو يعلم انه لن يغير واقع او حقيقة .
- البحث عن ميادين عمل بديلة تعوض خسارته في سورية، مع سعي دؤوب لافساد نتائج النجاح السوري في المواجهة عبر محاولة تعطيل عملية الاصلاح التي بدأت، او الضغط الامني المتفرق وهنا سيكون تحدي جديد اما سورية شعبا ومؤسسات حكم وأمن وقوى مسلحة.