هي حاجة أجل، وهي في طبيعة الجنس البشري أجل، ولكن قد تتحول تلك الظنون إلى سموم نؤججها.. ونطعن بها ظهور من حولنا لتصبح وسيلة فعالة للأذية.
يقول تعالى في كتابه الكريم: (إن بعض الظن إثم)، أي أننا في أغلب ظنوننا نخطئ ونؤذي من نظن به.. وفي يوم تلقيت نصيحة مفادها(دائماً توقعي الأسوأ من الناس)، وهناك مقولة أيضاً (سوء الظن فطنة) ربما إذا نظرنا لها من جانب ما سنجدها صحيحة لكن ليس عندما ننشر ظنوننا بالناس ونزخرفها ونبهرها لتكون تلك الظنون أسلوباً حقيراً لإيذاء الناس وهي في النهاية مجرد (ظنون).
فلماذا انتشرت هذه الثقافة لدينا وتأصلت فينا؟.. وهل لها علاقة بطبيعة مجتمعنا الشرقي الذي يحوي الكثير من العادات والتقاليد المحافظة.
كبارنا... وسوء الظن
يقول السيد علي أمين(48 سنة): نحن نسيء الظن لأننا شعب تقوده العاطفة أكثر مما يقوده العقل فنحن نحكم على الأمور بعاطفتنا وليس بعقلنا ولو حكمنا عقولنا لوجدنا أن من نسيء الظن بهم هم أفضل ممن نقدرهم ونحترمهم لذلك يجب أن نحكم العقل لا العاطفة في كل تصرفاتنا وبالنسبة لي إنني أعتمد على العقل في كل مواقف الحياة ولو كنا نعمل بالعقل لكنا يداً واحدة قوية.
وتؤكد السيدة جمانة أن سوء الظن غلط ولكن الإنسان يظن بالسوء لكي يحمي نفسه فيضع جميع الاحتمالات، فكل إنسان يخطئ ولا يجب على الإنسان أن يأخذ موقفاً سابقاً من خلال تصرف واحد، ومشكلة مجتمعنا الكذب فنحن نكذب كثيراً فلكي نتخلص من سوء الظن يجب أن نكون صريحين ونعتمد الصراحة في كل موقف من مواقف الحياة.
ويشير السيد عدنان إن مشكلة سوء الظن هي مشكلة خلط مفاهيم، أي عدم التفريق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، فعندما أكذب كذبة بيضاء أكون قد كرست الكذب وأيضاً يوجد لدينا مشكلة في التربية ولكي نقضي على مشكلة سوء الظن يجب علينا تكريس القيم الصحيحة وأن نعززها ونقويها في مجتمعاتنا وخصوصاً في هذا العصر عصر الانفتاح، ولأن الإنسان يركض بطبيعته وراء الأسهل فمثلاً إذا جاء شخص وقال عن آخر إنه سيئ نأخذ فكرة عنه ونقبل الموضوع مباشرة دون أن نبحث عن الحقيقة.
كما يشير السيد غسان حمادة (49 سنة) أن الإنسان العاقل لا يطلق جزافاً حكماً بسوء الظن على أي شخص كان إلا بعد تجربة فيجب أن نعطي الشخص فرصة وليس مباشرة نطلق الأحكام وعندما تفقد ثقتك بشخص ما سوف تظن سوءاً حيث إن الثقة تلعب دوراً كبيراً وأساسياً إضافة إلى تقدمة إثباتات على أي موضوع.
ويقول السيد مزيد علي (45 سنة): على الإنسان أن يفكر بالسوء والخير بنفس المعيار وفي هذا الموضوع تلعب الثقافة الاجتماعية دوراً كبيراً، وهذا ناتج عن بعض العادات والتقاليد والأعراف المتداولة بين الناس ولكن عندما يشك الإنسان بالناس من حوله هذا ناتج عن شكوكه بنفسه فيجب ألا يطلق الإنسان الأحكام حتى يثبت الحقيقة ويكون لديه دلائل وقرائن. وتؤكد مايا محمود (17 سنة) أنها مع سوء الظن لأن الناس لا يوثق فيهم وخصوصاً الشباب وهذا المفهوم (سوء الظن) هو من وجهة نظري له علاقة بهذا العصر عصر المصالح.
وتلفت الشابة بشرى اسماعيل (27 سنة) أن مشكلة سوء الظن هي مشكلة ضعاف النفوس ومشكلة مجتمع. وتتابع: أنا لا أتعامل مع الناس على أساس ذلك أبداً، فمثلاً إذا قيل عن شخص ما أنه سيئ يجب أن نخالطه لنعرف سلبياته وإيجابياته فربما يكون العكس، وتكون إيجابياته أكثر.
التخلص منه
تؤكد المختصة النفسية (لمى صالح): إن من طبيعة الإنسان غير المستقر وغير المتصالح مع ذاته أن يرى نصف الكأس الفارغ، لذلك وللتخلص منها يجب علينا أن نحب ذاتنا حتى ولو وصل ذلك إلى درجة النرجسية /الإيجابية/، وهذا يعني:أخذ ما أريد دون إنقاص الآخر لإفادة ذاتي وكياني...، الثقة بنفسي/ أفعالي، تصرفاتي، نتائجي، عقاب وثواب.../ نفسي
علاقاتي الاجتماعية يجب أن تكون قائمة على التشارك وليست علاقات اندماج وذوبان تقوم على العقاب في حال أخطأت بحق نفسي أو بحق من حولي وثواب في حال قيامي بالأعمال الخيرة والحسنة أي أن أكون لشريكي نداً وقريناً.
وتضيف: نستطيع أن نقول: إن سوء الظن يكون وراثة أي نحن نتناقله من أهلنا وأقاربنا والنصائح معروفة ، حيث إن كل مجتمع يفرض على الشخص قيوده وخواصه فيتطبع الشخص بطبائع المجتمع، ففي كل عصر نرى الاضطرابات وتطور التكنولوجيا كلها أظهرت للإنسان وبشكل خاطئ وبسبب عدم استقراره مع نفسه وتصالحه معها – أنه لا يملك الإرادة الكافية للسيطرة على ما حوله وبذلك يشعر بالقلق الدائم ويصاحبه الخوف من الآخر ومن المجهول فلا يرى سوى نصف الكأس الفارغ ويتوقع السيئ دائماً، ويصدم بالجيد.