وقد زينته الزَهور، وعطرته روائحها العبقة، فتحتل الفراشات أروقتها من أنحاء الورود، وتتخذ البلابل أماكنها من أغصان الشجر، وفي فسحة خضراء، متموِّجة تنتصب شجرة صامتة، شمّاء، وقد ظللت حيزاً واسعاً
من الألوان، في ظلِّها خمسة أخيلة سارحة الذّهن، تلعب ، وتتلوى في أحضان الشّجرة : (الغيرة ـ الصّدق ـ الكذب ـ الحب ـ الجنون) وقد عمدوا إلى أن يلعبوا لعبة الاستخباء. فبدأ الدّور بالجنون لكي يعدّ إلى المائة ، وبدأ: واحد ـ اثنان ـ ثلاثة ـ استعجلت الغيرة إلى قاع النّهر، وغطست، بينما سارع الكذب إلى خلف صخرةٍ مجاورةٍ، والجنون يكمل العد: أربعون ـ واحد وأربعون .. جاء الصّدق، ووقف إلى جانب الشّلال خلف مرآة الماء العاكسة.
أما الحبّ فقد مضى إلى عريشة الورود المجتمعة ، وانغمر بها، والجنون يتابع العد: ثمانون واحد وثمانون ـ اثنان وثمانون .. والجميع ينتظر، ويهيىء نفسه للفوز، كلٌ يفكر، وها قد ألغى الجنون العد، وأصدر صوتاً ها قد أتيت. لم يتحرك من مكانه فقال: اخرج أيّها الصّدق من خلف الشّلال، فصورتك تلمع على سطح الماء. أمّا بخطوته الثّانية فقال: أيها الكذب لقد فضحك ظلك المترامي إلى جانب الصّخرة، فاخرج من خلفها. في هذه الأثناء لم تستطع الغيرة أن تتحمل أكثر تحت الماء فعلت إلى السطح ، مستسلمة، وبقي الحب أين أنت ؟ تحرّك الحبّ حركة بسيطة في وسط الورود فلفت نظر الجنون، وإذا به قد أخذ عقدة من الشوك وأخذ يغرسها في عريشة الورود، وها قد سمع بكاءً، وصدى حزينا، وقد خرج الحبّ ويداه على عينيه الداميتين، فقد حرم نظره بسبب ضربات الجنون القاسية فتعهَّد الجنون للحبّ بأنّه سيظل يمشي ليدله، ويساعده، وبهذا نجد أنّ الصّدق ظاهر لا يمكن إخفاؤه، والكذب سينكشف لا محالة، والغيرة دفينة في النفّس لا بد أن تظهر أمّا الحّب فيسير بلا نظر، ويقوده الجنون .