تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بأبجدية من أزرق..ســــــموقان.. يلــــــــوّن غابـــــــات لوحاتـــــــه البحريـــــــة

ثقافة
الاثنين 13-10-2014
 علي الراعي

من الشرق وسحر ملاحمه وأساطيره، استطاع الفنان التشكيلي محمد أسعد الذي اشتهر بـ «سموقان» أن يرسم عشرات الأشكال وتجسيد مئات الأفكار بلوحات تستمدّ بأحرف جديدة من بحثه الطويل في التاريخ والأسطورة،

و..غايته في ذلك الوصول إلى خصوصية لوحة تستوحي من بنائها مفردات المكان، و..هو بذلك يُقدم لوحة تحوي عنصرين أساسيين هما: خصوصية المكان أو المنطقة التي يعيش بها، وخصوصية تجربته كفنان تشكيلي. وهاتان الخاصتان ظهرتا بوضوح في تجربة الغابة.. فالجو العام في أعمال هذا الفنان هو الجو الأسطوري, خاصة أنه أراد إظهار كل سياق تشكيلي لوحده, حيث العناصر التشكيلية تأخذ ضمن هذا السياق وظائف معينة وتختلف من سياق لآخر. والقائد، أو الشخصية المحورية في العمل الفني هنا كان دائماً الضوء أو الظل الذي يوجه اتجاه العناصر نحو خوض مغامرات الجمال والهدوء. وما يبغيه كان إبراز أهمية العنصر من خلال مجاورته لعناصر أخرى, فيقدم وظيفة تخدم النداء البصري الموجّه للمتلقي في النهاية.‏

من النظرة الأولى‏

و..حركة العنصر من مكان لآخر، تبدو الشيء المهم أيضاً في أعمال سموقان، والحركة هنا ليس لها فقط دور الدليل على رؤية أجزاء العمل, بل لها دور في إنقاذ المشاهد من التيه والتأمل الساحر الذي كونته لنقل (النظرة الأولى) فالخط الذي يمكن أن يكون جُذيراً صغيراً أو غصناً أو جذع امرأة يحمل بداخله مشاعر الحب والحياة, الغضب والجبروت, الصمت والضجيج، فهو ليس ليناً فقط, بل ينكسر ويهتز بشدة, و كثيراً ما قيل: إن موضوعه ليس هو الاسم الظاهر، بل هو الضوء والحركة والأهمية في مجمل أعماله هي للأشياء اللامرئية في الواقع, ويأخذ اللون دور المرطب للحدة التي يقدمها انكسار وهيجان الخط. فهو يتوزع على المساحات اللونية بطريقة شفافة حتى العري, ويبدو أن جسد القماشة ببياضه الناصع يساعد أيضا على تغيير المكان وقبول عوالم مختلفة.. فقد حاول سموقان منذ البداية إظهار أهمية الخط بحركته وانفعاله وحريته.. الأمر الذي يفتح باب اللوحة على مجموعة لا متناهية من الخطوط.. وتظهر كل القيم السمعية والبصرية والسيميائية أمام المتلقي..هنا يُحاول الفنان أن يبيّن للمتلقي أن الخط يُحيط المساحة فيأخذ منها ويعطيها, وإذا ظهر المثلث أو الدائرة بأشكال معروفة كدولاب العربة أو الناعورة, فإنما الهدف كان القيمة التشكيلية للمساحة المجردة المعزولة أو ضمن أشكال أخرى مستعدة لاستقبال كل الألوان والقيام بعدة أفعال، وهي قابلة لأن تُغير في مدلولاتها الواقعية المعروفة, فيزداد السحرُ بهاءً. و..عن انعطفاته من رسم الغابة إلى الإيغال في الأرض القديمة وأساطيرها، وصولاً إلى أبجدية الأزرق التي اشتغل عليها بكثافة مؤخراً، يقول سموقان: الغابات التي أرسمها هي بحرية بالأساس، و..هي أوغاريت وقصة البعل وأبجدية الشكل و..أخيراً البحر أو الأزرق. وهكذا في مجمل أعماله يرى نفسه أنه يتبع قصة تروي وتحكي أحداثأً, بطلها الخط و اللون.‏

عروضات أسطورية‏

هناك اشتغل سموقان على لغةٍ خاصة، صنعتها التجربة المتواصلة، وهي تتكرر بحركة آلية, وما هو جديده هو مفاعلة هذه الأبجدية أو العناصر التشكيلية المعروفة من قبل الفنان، ونقلها لأوساط أخرى، و..تأتي المرأة هي الأخرى كعنصر تشكيلي حيوي حيث تتحرك في عمل سموقان، وذلك ضمن جو مسرحي في لقطات متعددة سينمائية, وخطوط الجسد واللون، وهي المشجعة كذلك للقيام بعروضات أسطورية.. فالشكل هو حيوي ويحمل قدراته التعبيرية المفعمة بالأسطورة والحياة. فنرى المرأة الراقصة والعازفة والأم والربة في مشاهد لا تحصى. ويتقبل المشاهد بسهولة جميع هذه اللقطات لأنها الأقرب لذاكرة يُعايشها بشكل يومي. ولهذا اختار عنصر المرأة في هذه التجربة.. وجاءت الرموز معاصرة ولها حركة مغايرة ولها جوها الأسطوري الملحمي أيضاً في مشهد متكامل.. حتى الوجوه التي يقدمها ليست وجوهاً لشخصية بحد ذاتها، بل هي حالات داخلية يمكن أن توجد لدى الكثير من البشر.. وهنا يعتمد على إظهار القدرة الخفية للون, بغض النظر عن الوجه الذي يغطيه وإمكانية الخطوط المحيطة به.. فهي - اللون والخط- خارجة عما هو تقليدي, حيث نرى اشتراك التصويري مع الغرافيكي للوصول إلى عرض صوري لحالات تعبيرية, وهذه اللغة لترتيبات الوجوه الشاقولية تمكّن من قراءتها بشكل حر وكيفي فتعتمد على الشكل وصداه البصري..‏

خشبة ملونة‏

في لوحة سموقان يمكن الحديث عن اللون المسرحي الذي يبرز في الأعمال التي تحمل عنوان أبجدية الشكل حيث المساحات اللونية الجانبية والأفقية، وأحياناً الشاقولية، وهي التي تسمح للشكل اللوني بالحركة على القماشة, وهي أيضاً التي تخلق الحوار, حوار العناصر مع بعضها البعض, فتأخذ من بعضها قيماً لونية لدرجة أن رموزها المعروفة قد تتغير كلما جرى التصعيد في الحوار, إذاً هناك مسرح وهناك حوار لوني ومنولوج داخلي وحدث يخلقه السيناريو.. ونصل إلى اللون السينمائي، ذلك اللون الذي نلحظه في أغلب أعمال هذا الفنان، هنا ثمة عناصر تتكرر وتتردد كما الموسيقا حيث لكل علامة قرار وجواب, اللون في لوحته له صدى وصوت ومهما كان شكل هذا اللون, لوحة سموقان تتكون من مجموعة لقطات، أو ألوان سريعة تجوب عين المشاهد لمتابعة قصة الفيلم - اللوحة، ثمَّ متابعة حركات البطل، والذي هو الأزرق أو الأحمر أو أي لونٍ آخر..لكن ماذا عن اللون الروائي ؟ يقول: اعتدت أن أرتاح للمواضيع التي لها الصفة الملحمية, وحدث هذا في الثمانينات من القرن الماضي عندما رسمت مع الفنان الراحل هيشون عن جلجامش وأساطير بلاد الرافدين وأوغاريت, وعرضا بعض الأعمال في ملتقى الأدب والتشكيل الذي حدث في السويداء حيث عرض عملاً يحكي قصة البعل، وهي لوحة أفقية بطول خمسة عشر متراً تروي حكاية البعل الأوغاريتية، و..من ثم كان إنجاز عشرات اللوحات التي تحكي كل منها سرداً روائياً طويلاً..‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية