تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فراغ العقل والتوازن المفقود

متابعات سياسية
الاثنين 13-10-2014
 بقلم الدكتور فايز عز الدين

إنه لأمر طبيعي في الحالة النفسية، والمعنوية لكل مهزوم في الواقع، أو في مشاريعه غير المشروعة إنسانياً، أو حقوقياً، أن يلجأ إلى ما يطلق عليه الهلوسة السياسية، أو العسكرية باعتبار أن الهلوسة تخلّص الذات المحتقنة من مرارة الغيظ الذي يفجِّر الروح، والعقل،

والعاطفة بآن معاً، قبل الولوغ أكثر فأكثر في وحل الجريمة، أو الهزيمة.‏

وعليه فقد شهد تاريخ البشرية الكثير من عصور الخراب للقيم المجتمعية والوطنية نتيجةَ فيروساتِ الظلام القادمة من وراء الحدود، والمتخذة من ضعاف النفوس حاضنة ومأوىً داخل الوطن المستهدف. وما زالت الثنائيةُ التي تحكمُ الحياة على أية أرض: فالخير أولاً أم الشر؟ والتقدم كذلك أم التخلف؟ ثم المستقبل أم الماضي؟ حتى نصل إلى الأصالة أم الارتهان العميل لقوى العدوان على الوطن والناس؟ نعم في تاريخنا مطلقاتٌ مهمةٌ يعتزُّ فيها كل فرد عاش على هذه الأرض منذ اختراع الأبجدية الأولى، إلى قيام نموذج الدولة على جغرافية المجموعة البشرية ذات اللغة الواحدة، والتاريخ المشترك بعقده الاجتماعي والروحي، ولا يخلو أيُّ تاريخ بشري من ضعاف النفوس العملاء الذين باعوا انتماءهم النبيلَ الوطنيَّ إلى أعدائهم، وقادوا جيوش الأعادي إلى تدمير بلادهم كما فعل أبو رغال في تاريخ ما قبلَ الإسلام على أرض العرب. ومن عَجَبٍ أن لا يقْرَأَ الذين انقلبوا على أهلهم ووطنهم لعنةَ الزمانِ التي سترافقهم إلى أبدٍ مديد؟. وما نراه اليوم يثير فينا العديد من التساؤلات، ويكشف لنا فراغ العقل، والوجدان عند هؤلاء الذين كانوا من عتبة التاريخ الأولى أعداءنا وما زالت ذُرّيتهم الجديدة تتوارث هذه العداوة، وعلى هذا المقتضى نجد أنفسنا لسنا مستغربين الهلوسة العثمانية عند أردوغان من منظور هزيمته المعنوية منذ استعدَّ لتدمير سورية في 15/03/2011 حتى اليوم، لكن المستغرب أن يبقى من حوله مَنْ يُصغي إليه، فحين يتحدث عن الفراغ الافتراضي على طول الحدود السورية لتركية ويعتقد بتخريفه أنه قادرٌ على فرض منطقة عازلة، يَحْظُر فيها الطيران السوري، أو أيَّ عمل عسكري وكأن المنطقة المستهدفة من قبله لا يُشغلها أهلُها القاطنين فيها، أو يستطيع أن يخلي حقَّهم منها ليتصرف فيها على هواه وكأن الواقع المحلي السوري، والإقليمي، والدولي واقع مفترض يشكّله كما يرغب فهو السيد المُطاع على أرض الغير، والفاشي الطمّاع الغاوي بالتدمير. لقد عرف تاريخنا عدداً غير قليل من مثل هذه الشخصيات الدونكشوتية، وتعامل معها شعبنا وهزمها، وكان آخرها عثمانياً جمال باشا السفاح. ولا يَأْبَهُ اليوم لهذه البهلوانيات من معرفته الواقعية لقوته أولاً كشعبٍ مالك لهذه الأرض، وصاحب السيادة عليها. ولقدرته التي شكلت عبر ما صبّوه عليه من حمم خلال سنوات خَلَتْ جداراً عصياً على الانهيار. ولبأس جيشه وشجاعته في حرب الدفاع عن الوطن، وصيانة استقلاله. ولمتانة دولته التي صُمِّمتْ شعبياً وتعالت أسوارُ قلعتها؛ ومن خلال ذلك صمدت أمام تحالف /87/ دولة معتدية عليها وما زالت تقاوم منتصرة. ولهذا فالمنطق الواقعي العاقل يشير إلى أن الخبرة السورية كانت ولا تزال سيدة الحكمة؛ ألم تقل سورية في جنيف: إن ضرورات إنهاء الإرهاب هي أولاً، وكلُّ أمرٍ بعدها ميسورٌ، ومقدورٌ عليه؟! وكان جوابهم: إن انتقال السلطة هو أولاً ولو كيفما اتفق لكأن الإرهابَ بيدهم ومسيطراً عليه. فما بالهم اليوم بعد أن بدأ قطع رؤوسهم يصرخون، ويدعون الحلفاء كي تكون الحرب على الإرهاب أولاً، ولم يعد المطلب الذي كانوا يتشدّقون به وارداً؟ واللحظة المعيشة حين يُزوّرون فيها حقائق الواقع ليوهموا الناس بالفراغ الافتراضي شمال سورية كيف يُعبَّأ؟‏

سيرون أن الفراغ الموهوم هو فراغ عقلهم من كل حكمة حين لا ترى عيونهم ما معنى المجال الحيوي، والأمن الإقليمي، والجيواستراتيجيا لحلفاء سورية كيف يمكن أن يتخطّاه معتدٍ، وتبقى له فرصة في التضليل، والهلوسة، والتدجيل، فقد فاتَ الأوانْ.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية