تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فوكومايا وفجوة القيم بين المتحالفين

دراسا ت
الأربعاء 29/6/2005م
الدكتور فايز عز الدين

منذ ان قدم المفكر الامريكي (من اصل ياباني) فرانسيس فوكوياما نظريته نهاية التاريخ على اعقاب المتغيرات الدولية الدراماتيكية التي انهت في بداية العقد الاخير من القرن الماضي القطبية الاشتراكية,

وادخلت نظام العالم في فضاء قطب واحد وتجربة اجتماعية اقتصادية ثقافية واحدة هي الليبرالية بثوبها الجديد, وهو يؤكد على معادلات سياسية, واقتصادية تخدم ليبراليته الجديدة, وتقدم للبشرية ما يقنعها بأن سيادة عقيدة اقتصاد السوق الحرة اصبحت حدا للتاريخ, ونهاية له,وانه ما من تجربة اجتماعية اقتصادية منافسة يمكن ان تكون مرشحة للظهور في عصرنا الحالي, وبما هو قادم من العصور غير التجربة الرأسمالية والليبرالية العولمية الجديدة.‏

تبشيرية المحافظين الجدد تنافي العلم شكلاً وموضوعاً وتناقض عجلة التقدم الإنساني‏

وواضح- عبر منهج فوكوياما هذا- ان المسألة ليست وقوفا عند نهاية التاريخ من منظور فلسفة التطور الانساني الاخير فيما انتجته البشرية الواعية, او ما يمكن ان تنتجه بعد في عوالم قادمة, بل توكيدا لسبيل تيئيسي يأتي عبر اصطناع فلسفة لآخر تحولات التقدم الانساني تجب ما قبلها, وتنفي امكانية تاريخية جديدة يمكن ان تحصل ما بعدها, فالعالم - اذا -اصبح في نهاية التاريخ, وعلى مجتمعاته الانسانية ان تلتحق بهذه النهاية ,وتنتظم في صفوف سيد هذه النهاية,وقطبها الوحيد نموذج التطور الليبرالي العولمي,ورأس الهرم الحداثي الدولي.‏

وعليه فهذه التبشيرية للمفكر فوكوياما لو تناولناها من تأسيس علمي منهجي سليم سنجدها منافية شكلا, وموضوعا للعلم فمن قبل حاول هيغل ان يوقف عجلة التقدم الانساني في صناعة النظم الاجتماعية الاقتصادية عند حد لا تغضب عليه فيه الطبيعة الاكليروسية للدولة الاوروبية حالئذ, ولكن الانسانية اجترحت نظامها الآخر الذي لم يكن ليعتقده هيغل الفيلسوف الالماني, ولم تبق عند الحد التاريخي الذي عمم هيغل فلسفته عليه .‏

ونحن اليوم امام تبشيرية فوكوياما نجد ان الابعاد فيها لم تقف عند تقصي سيرورة الحدث البشري في الاجتماع والاقتصاد والسياسة, وانتقال التراكم الى نهاية التاريخ في تعميم عقيدة السوق الرأسمالية الحرة, حتى تصبح نظام العالم الاخير,الذي ليس للتطور صيرورة محتملة بعده.‏

المسألة - في التقدير السياسي- غير ذلك انها تصل الى خدمة الجيواستراتيجية للقطب الوحيد المهيمن ,ومجرد محاولة اقناع سكان الارض انهم وصلوا الى نهاية التاريخ هذا يعني ان على الجميع ان يفكر بإعادة التراصف الدولي له, ويدخل في اهاب اللحظة التاريخية الامريكية بلغة الاستتباع الكامل الثقافي والحضاري والجيوسياسي .‏

ومؤخرا نرى فوكوياما في مقابلة اجراها معه موقع تقرير /دوت اورغ/ يتحدث عن ان العالم اليوم يدخل في المرحلة الحرجة التي يمر بها التاريخ الانساني, ومعالمها الكبرى قضية انتشار الديمقراطية والافكار الليبرالية بصورة غير مسبوقة على حد قوله.‏

وفي سياق حديثه يعزو فوكوياما التهديد الحقيقي الذي يواجه العالم- وهو في مرحلته المشار اليها - يأتي من الاسلام,ويتمثل - على حد زعمه- هذا التهديد الاسلامي في جانبين :‏

الجانب الاول: ماحدد بأسلحة التدمير الشامل, وامكانية وقوعها في يد جماعات صغيرة تستطيع من خلالها تحقيق دمار كبير للقوى الكبرى .‏

والجانب الثاني: يتحدد بوجود اقليات اسلامية في اوروبا ,وروسيا,وامريكا ( ولو ليس بالصورة نفسها) وتلك الاقليات من الصعوبة بمكان تأقلمها مع نمط الحياة في المجتمعات الغربية الليبرالية والمحلل لهذين الجانبين للتهديد الاسلامي لعالم يمر في مرحلة انتقال الى انتشار الديمقراطية, والافكار اللبيرالية على ماذهب اليه فوكاياما,سيكتشف الغائية السياسية من مثل هذا التحديد لصورة الخطر على عالم يتحول نحو الديمقراطية والافكار الليبرالية.‏

هذه الغائية تشير الى دفع اتجاه النظر نحو تعليل آخر للحالة الدولية الراهنة مع العولمة, والقادمة بآفاق العولمة الاقتصادية, والثقافية والمعرفية, فالمهم ألا تقر الليبرالية الجديدة العولمية انها باقتصادها الرقمي, وحكومتها الالكترونية, ونقلها لعوامل التطور البشري من الارض الى الفضاء الكوني, وتوصيفها للتفاعلات الكونية القائمة بعملية اندماج حضاري في نهج اقتصادي ,ثقافي ,حياتي واحد يقارب بين حيوات شعوب الارض فيجعلهم ينتقلون معا الى القرية الكونية الصغيرة للكومبيوتر .‏

ان ذلك كله لن يخفي حقيقة التطلع الاساسي عند صانع القرار الامريكي ( في الادارة الحالية, او الادارة القادمة طالما ان المكون الاساسي فيها من اللوبي الصهيوني ) وسيبقي هدف السيطرة على العالم,وعدم السماح بنمو قطبيات جديدة تجعل صورة عالم القرن الحادي والعشرين تنتقل الى عالم متعدد الاقطاب.‏

ولو تذاكرنا بمضمون كتاب: الخيار للاستراتيجي الامريكي برجنسكي سنجد انه قدم نظرا في موضوعتين : القيادة للعالم. ام الهيمنة عليه?.. ففي القيادة منظومة عمل جيواستراتيجي غيرها في الهيمنة عليه.‏

وقد لاحظنا, ولا تزال الملاحظة قائمة بأن اجابة الادارة الحالية للرئيس بوش الثاني هي في الهيمنة على العالم, وبناء على هذه الاجابة الصريحة غير الآبهة بأي اعتراضات تأتي من داخل الولايات المتحدة في التنافس بين الحزبين الاساسيين: الجمهوري, والديمقراطي, او تأتي من خارج الولايات المتحدة الامريكية عبر حلفاء الامس, او القوى الانسانية المتضررة. من هكذا نهج تدخلي , اختراقي امريكي لعناصر السيادة ,وحقوق تقرير المصير لدى الامم المختلفة .‏

وفي مقابلته التي نحن بصددها يواصل فوكوياما القول: ان احداث الحادي عشر من ايلول 2001 غيرت طبيعة السياسات الدولية, وفي عقابيلها حدثت فجوة بين الولايات المتحدة, ودول اوروبا الغربية سيأخذ ردمها وقتا طويلا باعتبار انه قد ظهر فارق كبير بين قيم, وافكار الولايات المتحدة الامريكية ,ودول غرب اوروبا ..فأمريكا قد وضعت - كما يصف فوكوياما- الحرية أعلى مكانة من اي قيمة اخرى, بينما وضعت اوروبا قيم العدالة, والتضامن الاجتماعي, في مكانة أعلى من الحرية.‏

وبناء عليه فقد اصبحت لدى الادارة الامريكية فكرة السيادة مختلفة في مفاهيمها عما هي عليه عند الاوروبيين.‏

وكذلك فكرة استخدام القوة العسكرية كوسيلة لتنفيذ السياسة الخارجية اصبحت مختلفة.‏

فالادارة الحالية للرئيس بوش الثاني تؤمن بأن القوة العسكرية يمكن استخدامها لغايات خيرة, ومقبولة في حين ان الاوروبيين لا يرون اي امكانية لاستخدام القوة العسكرية لأغراض نبيلة.‏

وما يعتقده فوكوياما ,وقد يكون اهم استشراف له- هو ان هذا الانقسام بين الجيواستراتيجيتين : الامريكية, والاوروبية لابد ان يستمر الى زمن قادم طويل الاجل .‏

ومن الارهاصات الراهنة في الحالة الامريكية في افغانستان ,والعراق تستوقفنا منطقية الاختيار الاوروبي للنهج الجيوبوليتكي في قيم التعامل الدولي ,بينما يستوقفنا الاستكبار الامريكي في الموقف الجيوبولتيكي في قيم التعامل الدولي .‏

والذي اصبح يتناذر عبر ورطة امريكا الادارة الحالية هو الحالة المستعصية التي دخلتها في العراق, والتي اصبحت تنعكس داخل البنتاغون, ومجلس الشيوخ, والكونغرس الامريكي على صورة مطالبات بالخروج المبرمج زمنيا من العراق كما اعلن النائب الجمهوري الامريكي عن ولاية كارولينا الشمالية/ والتر جونز/.‏

وكما اظهرت استطلاعات الرأي العام الامريكي ان نسبة 6 من 10 اصبحوا يريدون الانسحاب من العراق ,ولو جزئيا.‏

وقد صدرت - كذلك - توصيات عن عدد كبير من مراكز البحث الامريكية, او عن عدد كبير من مراكز البحوث الامريكية, او عن باحثين مشهورين او سياسيين مخضرمين, تدعو جميعها الى وضع استراتيجية محددة للانسحاب من العراق.‏

والجدير بالذكر ان نتائج هذه الابحاث,قد نشرتها كبريات الدوريات الامريكية ,ولاسيما مجلة فورين افيرز واسعة الانتشار, والذائعة الصيت من اوساط النخبة الحاكمة .‏

ومهما يبدو الامر- في شأن الانسحاب الامريكي من العراق معقدا- فإن اجتماع ارادة غالبية الرأي العام في امريكا,مع اكثرية اعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري, والديمقراطي يضاف اليهما مواقف النخبة المؤثرة في السياسة الامريكية, مع وجود قوى داعمة في المؤسسة العسكرية, ان ذلكم لو توافر فسيكون امام ادارة الرئيس بوش الثاني- مهما بلغ تعنتها - فرصة جديدة مفروضة لمعادلة عمل عالمية اكثر حرصا على ماء الوجه الامريكي,واخراجا لامريكا من جحيم ما غرقت به في العراق, وبدور هذه المعادلة ان تفتح ايضا بوابات الذهن الجيواستراتيجي لدى صانع القرار الامريكي على صورة جديدة لقيم عالمية جديدة .‏

ونهج يضمن نظاما عالميا اكثر عدلا, واستقرارا,وأمانا .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية