يتناول هذا الكتاب عناصر تشكيل الطفل العبري بعد عام النكبة 1948م، وذلك من خلال الكشف عن الثوابت والقيم والمقاصد والفلسفات في مجالي التعليم (في كل مراحله)، والأدب (في كل معطياته وأشكاله)، للطفل العبري من المرحلة العمرية 3 إلى 18سنة.. فهما من العوامل الجوهرية الفاعلة في بناء وجدان وأفكار الطفل، أي طفل.
فالتعليم هو تلقين مباشر للمفاهيم، والأدب هو الجانب غير المباشر (بدرجة ما) وان تلاحظ أن التعاليم الصهيونية والأفكار العدائية العنصرية تبث بشكل بارز وواضح، سواء في التعليم أو في الأدب الذي يتعامل معه الطفل الإسرائيلي.
كما أن الظاهرة الأدبية الصهيونية للطفل العبري لا تخرج عن كونها تنظيراً للفكر الصهيوني وتكنيكاً لآلية فاعلة. فالأيديولوجية هي مجموعة من التصورات والأفكار المترابطة والمتلاحمة التي تؤدي معنى محدداً للعلاقات الاجتماعية، والمقصود بأداء المعنى هنا هو أن المشتركين في هذه العلاقات يجدون أن تلك الأيديولوجية طبيعية ومقبولة وصحيحة ومبررة ومشروعة.
ففي دراسة أجريت بهدف استطلاع رأي اليهود وعلاقتهم بالعرب في فلسطين، وقد أجريت عام 1965م، حول مدى استعداد الشباب اليهود للتزوج من عربي أو عربية، وقد كانت النتيجة: 36% من العينة غير مستعدين للزواج من عربي أو عربية.. أما السؤال حول علاقة صداقة بين اليهود والعرب، فقد كانت النتيجة: 33%.. بينما نسبة من رفض إقامة علاقة جوار 39%. وهو ما يعكس الصورة العدائية التي تنشأ مع الشباب الإسرائيلي تجاه «العربي» عموماً، والشباب خصوصاً.(كما تلاحظ أن نسبة الرفض عند اليهود الشرقيين أعلى).
وفى دراسة (بعد الانتفاضة الثانية عام 2000م)، أجراها أحد أساتذة الاجتماع في (إسرائيل)، على طلبة المدارس الابتدائية، خرج بنتيجة تشير أن 60% من 1066 طالباً تتراوح أعمارهم بين 9 - 14 سنة، أيدوا الإفناء الكلي للعرب المقيمين في إسرائيل في حالة أي صراع مسلح مع الدول العربية.. حتى إنهم اعتبروا مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي من الشهداء والقديسين.
أولاً: ماذا عن التعليم العبري للطفل؟ غلب البعد الأيديولوجي ومعطياته، مع تشويه صورة «العربي» كل مسعى آخر، وهو ما يشير إلى رؤية القيادات الفكرية، ويعكس الرؤية المستقبلية للعلاقات مع العربي.
إن الأسس التربوية لتحقيق تلك الأهداف هي: تعميق الوعي اليهودي الصهيوني، وتأكيد التعلق الروحي بالكتب والأعياد المقدسة.. التربية على قيم القومية اليهودية الصهيونية.. وهو ما يبدأ بتعلم اللغة العبرية.. بث روح العداء للعرب والمسلمين.. ترسيخ جذور الشباب الإسرائيلي في ماضي الشعب اليهودي، وتراثهم التاريخي (فكرة الرواد).. التعلق بالأرض.. غرس مفهوم «الشعب اليهودي الواحد».. وعلى الجانب الآخر قدم الطفل للكيان الصهيوني خدمة جليلة للغة العبرية، لقد كانت «اللغة العبرية» من اللغات الميتة، التي لا يتحدث بها أحد، وربما اندثرت منذ عشرين قرناً، إلا من التراتيل الكهنوتية في معابد اليهود.. وبات «الطفل» هو مستقبل تلك اللغة، والحافظ عليها من الاندثار ثانية، بعد أن أصبحت «اللغة العبرية» لغة التعليم ولغة كتب الأدب، فضلاً عن كونها اللغة الرسمية.
وحول مادة «التربية الدينية» قال «ميكل باينز»: «إن أي شعب آخر، يمكن أن تكون لديه، تطلعات وطنية، منفصلة عن الدين، أما نحن اليهود فإننا لا نستطيع». وفى منهج مادة التاريخ، في المرحلة الابتدائية.. ارتكزت الكتب التاريخية على تاريخ اليهود دون الولوج إلى التاريخ العربي، إلا من النزر القليل (في إطار فكرة أن «العربي» هو المخطئ دائما في كل الحروب، والذي يبدأ بالعدوان). في مادة الجغرافية ورد بأن «الجولان» و»الجليل بأقسامه» من الأرض الإسرائيلية.. وغيرها من الأخطاء.
وفى مادة اللغة العبرية، يترك للطالب أن يكتب في موضوعات الإنشاء، ومنهم من كتب حول العرب قال: «إن العرب يريدون مواصلة ما بدأه الألمان، وقتل اليهود على أرض إسرائيل»..
ثانياً: ماذا عن الأدب العبري للطفل؟ لم يكن الأدب بعيداً عن يد أصحاب الفكر الصهيوني، فقد حمل «الأدب» كل ملامح التحريض على استيطان اليهود، وطرد العرب الفلسطينيين. وبالعموم بقيت نظرة عدائية تجاه العربي، حتى بعد اتفاقيات السلام التي وقعت مع بعض الدول العربية.
فكما تداولت ضمن الكتب الدراسية، تم تداولها في كتب الأدب والتثقيف للنشء الإسرائيلي، وبعض الكتب التي تتناول المعارف العامة، مثل «الآثار» وقد لوحظ أنها تتضمن إقحاماً بدور ما لليهود في كل المواقع الأثرية.. سواء بمصر أو العراق أو الشام والأردن.
يكفي الإشارة إلى سلسلة المغامرات «حسبما» التي صدرت في عام 1950م، وحتى وفاة كاتبها عام 1994م. وقد صدرت باللغة العبرية وأصبحت أكثر شيوعاً من تلك القصص العالمية الشهيرة مثل «روبنسون كروزو» و»أليس في بلاد العجائب» وغيرها.
وفي ما يلي اقتباسات متنوعة من نماذج قصصية للطفل:
في قصة «فتيان بر يوحاي»: «كان ربي شمعون يجمع فتيان إسرائيل في تسبوري وفي الجليل، ويغرس في قلوبهم الحب لشعبهم ولغتهم».
في قصة «قيثارة داود»: «إنهم قتلة، سفاحون، متمردون، حيوانات مفترسة، وتافهون ومحتقرون» (إنه يتحدث عن العرب في قصته).
في قصة «حديقة بجوار البيت»: تبدأ القصة بتأمل الطفلة «ميرمام» للطبيعة حول بيتها فتقول: «انظر يا حاييم.. واحسرتاه على الأرض هنا، تعال نعمل حديقة ونزرع أي شيء هنا» (وهو هنا يؤكد أن فلسطين أرض قاحلة خربة واليهود سيقومون بتعميرها).
في قصة «طفل الاستغماية»: قام الأطفال بزيارة طفل غريب يبكي، فقال أحدهم «عومر»: «يا أطفال.. يا أطفال، أوقفوا اللعب، يوجد هنا طفل يبكي».. يعلق الكاتب في سرده: «إن عومر يملك قلباً من ذهب.. لقد كاد يبكي لما رأى الطفل يبكي» (إنها دعوة للرحمة فيما بينهم فقط).
لقد أوجز الكتاب محاور التعليم والأدب العبري الملقى للطفل، وأشار الكاتب السيد نجم إلى ضرورة وأهمية ترجمة الأدب العبري عموماً، وأدب الطفل خصوصاً، للتعرف على هوية تفكير الآخر المعتدي حتى يمكن مقاومته والتصدي لأفعاله.
عن الاتحاد الإماراتية