من عام 2009 حين كان في البرتغال، حيث أسعف إلى المشفى من أجل تطعيم في الكبد، كان قد أتم فيلماً مهماً «ألغاز لشبونة» والذي بلغت مدته أكثر من أربع ساعات ويتحدث عن حلم الحياة أو حياة حالمة لصبي ولد في نهاية القرن الثامن عشر، لم يكن هذا المخرج يقدم للمشاهد أي رموز حتى متعة التوهان في هذه المتاهة من المغامرات المتشابكة الواحدة ضمن الأخرى والتي تبدو أقرب إلى الوهم من المعقول لتتجاوز الواقع، ولن تكون هذه الألغاز آخر أفلامه، فقد كان قد أنجز في تشيلي إخراج فيلم يتحدث عن السيرة الذاتية لبحار هو أبوه، وكان سيخرج عند عودته فيلم (الانهيار المفاجئ) حول المقاومة البرتغالية على طريقة نابليون، لكن نقول إنه مع هذه المغامرات المسلسلة استطاع أن يترك العنان للمخيلة في اجتيازه من باريس إلى لشبونه لتنتقل بحرية بعيداً عن كل قيد ما يحقق التوازن بين التحليل السينمائي وتفاصيل الحياة المسرودة.
هذا وتبنى قصة فيلمه (ألغاز لشبونه) عن رواية الكاتب البرتغالي الذي عاش في القرن التاسع عشر «كافيليو كاستيلو برانكو) ودون شك هذا النمط من الحماس في الكتابة وسم ذلك القرن، وشدته البرتغال إلى درجة، أنه أضاف في عمله التوحش المعاصر الخاص بالتلفزيون على الطريقة البرازيلية، واستقى من جميع أشكال الثقافة، من ثقافته الأم أولاً، ففي أحد الأيام فكر بقصة «عشاء إفرادي» وتساءل: هؤلاء الأموات وتلك الرؤوس المجتمعة حول المأدبة أليست على وشك التكلم «ذلك اليوم» هو عنوان الفيلم الذي بدأ بمقتل عائلة عاقلة على يد زوج مجنون ومجنونة التقيا تحت شجرة على طريق سويسرا، اختار سويسرا هذا الريف اللطيف النظيف، واختار منزلاً ذا أروقة طويلة، حيث يستطيع أن يتحكم بالتصوير بشكل جيد بنقل الكاميرا بين الطرفين «القتلى والقاتلين»، وبدت القصة معقولة جداً وتتشابك الشخصيات والأماكن والأحداث، فالرعب يلف المكان بوجود تلك الجماجم والصدور المفتوحة المدماة.
أما أول فيلم فرنسي له فهو «فرصة اللوحة المسروقة» 1978 وهو حول سيناريو كتبه بيير كلوسوشكي، مع هذا الفيلم فتح الباب أمام اللا معقول:
رجلان يتحدثان حول اللوحة المفقودة التي تقدم معنى للمجموعة الفنية كلها، ولم يعودا يريانها. قدرته على التخيل أوصت له بفكرة اللوحة المفقودة، فلم يكن يهمل لا أفكاره ولاأفكار غيره، مثل أفكار الكاتب كاستيلو برانكو وبلزاك اللذين سبقاه فتأثر بهما ليس بداعي الاحترام فقط إنما بداعي حبه لهما.
في العدد الذي خصته به دفاتر السينما لعام 1983 وصف شارل تيسون بالـ «الكابوس الديالكتيكي المحاولة الجريئة في تحقيق راؤول رويز». يمكننا القول بالمختصر بعدم وجود «أفلام قصيرة» فهناك فيلم كوفرالاند، رابسودي التشيلي الذي يتحدث عن العودة إلى الوطن، حيث يصور بدقة أبسط الأمور كلقائه في الطريق بامرأة تحمل «موبايل»، إذاً يمكننا القول إن راؤول رويز كان يتمتع بخيال واسع، خيال روائي قادر على فهم الواقع وتحليله، كما عرف كيف يحبك الأحداث ويقولبها بشكل فني رائع ليقدمها للمشاهد بصورة كاملة ولم يقتصر عمله هنا على قدراته الفنية، إنما استطاع أيضاً أن يغوص في عالم الخيال ويستخلص منه التناقضات ليضعها في نص بصري رائع، صائغاً منها تضادات ملهمة، كما تمكن من تقديم تحليلات متميزة إضافة إلى هذا وذاك انتمى إلى جيل السينمائيين التشيليين الملتزمين حيث إنه فضل مغادرة البلاد بعد انقلاب أيلول 1973 وتغير وجه السياسة في بلاده ليعيش بقية حياته في فرنسا.
عن الإيمانيتيه