تذكرت هذا الأمر، وأنا أقرأ بعض ماجاء في الكلمات الطيبة التي كتبها الصديق والزميل العزيز عادل أبو شنب في ذكرى مرور عامين على رحيل الصديق العزيز الآخر الأديب الكبير علي الجندي، وهو الذي سبق له أن طوق عنقي بفضله، في محنة مررت بها عام 1965، ومازلت أذكر كلماته التي قالها نصف جاد ونصف مازح: العمى، كلما صار لأحد من الكتاب أو الشعراء مشكلة، جاء إلي؟!.
أبو شنب وغلطتان من الذاكرة
في أثناء حديث الأستاذ أبو شنب عرج على أمرين أود الوقوف عندهما لأنهما انطويا على اثنتين من غلطات الذاكرة التي يصفها بالديكتاتورية في أحد كتبه «ديكتاتورية الذاكرة» الأول يتصل بـ (رابطة الكتاب السوريين) وقد قال حرفياً: إنها «كانت قد أنشئت في منتصف الخمسينيات» ولعله يقصد «رابطة الكتاب العرب» التي أنشئت في صيف عام 1954 وأعلن عنها في احتفال كبير في «نادي الآبولون» في القصاع بدمشق، حضره عدد من كبار الأدباء العرب مثل الشيخ عبد الله العلايلي والمفكر حسين مروة والقاص غائب طعمة فرمان والقاص يوسف إدريس وسواهم.
كتاب الرابطة: أيار 1952
كتاب «درب إلى القمة» كان باكورة إنتاج «رابطة الكتاب السوريين» وقد كتب في صفحته الأخيرة مايلي:
«انتهى طبع هذا الكتاب على مطابع «الإنشاء» -دمشق في 31 أيار 1952» وهذا يعني حتماً أن الرابطة المذكورة أنشئت عام 1951.
وفي هذه الفترة نشرت هذه الرابطة مجموعة «مع الناس» لحسيب كيالي و«في الناس المسرة» لسعيد حورانية، أما مجموعة شوقي بغدادي حينما يبصق دماً فكانت أواخر سنة 1953.
ومن الكتب التي نشرت في الفترة ذاتها، كتابان لمكسيم غوركي «ذكريات» و«المشردون» عربهما عبدالمعين الملوحي و«قصة السينما» لصلاح دهني، و«الأدب في الميدان» لشحادة الخوري، وديوان (صوت إنسان) للشاعر نصوح فاخوري.
عادل وأحمد الجندي
أما الأمر الثاني عند أبي بشر «عادل أبو شنب» فإنه يتصل بعمّ علي الأستاذ أحمد الجندي، وكان شاعراً أديباً وباحثاً ومؤرخاً موسيقياً ناقداً، وظريفاً، وكنت أنا من أصدقائه، وقد متّن هذه الصحبة بيننا ابنه حيان الذي كان تلميذي في صف الشهادة الثانوية في مدرسة «ابن الأثير» التي كانت في آخر حي «سوق ساروجا» ولدي في مكتبتي معظم مؤلفاته، كما أنني أعرف جيداً بعض نوادره، مع الزعيم فخري البارودي والطبيب الشاعر عزت الطباع ونجاة قصاب حسن وإحسان نظام الدين والعماد أول مصطفى طلاس، وسواهم.
ضياء الحكيم وبدر في «الواحة»
أما تلك النادرة التي نسبها عادل إلى أحمد الجندي في مطعم الواحة «لوازيس» فقد جرت مع السيد ضياء الحكيم، أحد رواد مقهى البرازيل، وقد سمعت روايتها منه مباشرة في هذا المقهى، وكما عرفت هذا الرجل، فقد كان خياطاً صانع قمصان خارجية أنيقاً، وكان يحفظ من قصائد الشعر العربي مالايحفظه بعض الأدباء، وكان له أيضاً اطلاع على الأدب الفرنسي، فهو من الجيل الذي كان يدرس الفرنسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية- إضافة إلى المرحلة الابتدائية- أيام: (البكالوريا الأولى والثانية)، وكان مجلسه في «البرازيل» بين الأدباء والمفكرين والمثقفين، كأنه منهم.
بدر.. وكلارك غيبل
في مطعم الواحة، كان «ميتر» كبير الندل، يدعى «بدر» وكان يطيب له أن يقلد حتى بشاربيه نجم هوليود «كلارك غيبل» وأن يتظارف وذات يوم طلب ضباء الحكيم على الغداء «شاتوبريان» ووجبة اللحم هذه كانت طعام الأديب الفرنسي، حتى أطلق عليها اسمه، وهي في الأصل قطعة لحم مشوية يستكمل شيّها على النار فوق عربة متحركة أمام الزبون ولقد فوجئ ضياء الحكيم بذلك «الشاتوبريان» فقد كانت قطعة اللحم رقيقة جداً، ولما كان الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي وهو من رواد مقهيي البرازيل والهافانا- مشهوراً بنحوله ورقته، فقد كانت ملاحظة الحكيم: أنا طلبت شاتوبريان وليس الصافي النجفي.
وهكذا، فإن صاحب القصة هو ضياء الحكيم وليس أحمد الجندي.