تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أفغانستان بين الحرب الطويلة والتدخلات الخارجية

شؤون سياسية
السبت 3-9-2011
هيثم عدرة

افغانستان وعبر السنوات الطويلة من الحروب والنزاعات أضحت بلداً مدمراً حطاماً وركاماً وأطلالاً تراها كيفما اتجهت، فإلى جانب الحروب لايتمتع بالمياه الصالحة للشرب سوى واحد من أصل عشرة منهم،

ويجهل القراءة والكتابة اثنان من أصل ثلاثة، أحد المشاركين في الفريق الدولي الذي كان يسعى سابقاً إلى دراسة المستقبل الافغاني، يعتقد أن العملية تحتاج إلى عشرات السنين والى مليارات كثيرة من الدولارات، فإعادة تعمير افغانستان حيث يعيش 25 مليون نسمة قد تكون إحدى اطول العمليات المماثلة التي عرفها التاريخ واغلاها كلفة، وقد تكهن البعض إلى أبعد من ذلك حول انه ستكون افغانستان إحدى أفقر دول العالم حتى لو تم اعادتها الى واقع الثمانينات.‏

ما جرى في افغانستان أرخى بظلاله على كل شيء، ويجب الانطلاق من الأساس، بعد أن تحولت الطرق والجسور وقنوات الري والكهرباء الى ذكريات ولم يعد لشبكة الخدمات أثر يذكر، وأضحى الوصول الى بعض القرى من المستحيلات، فعبور عشرة كيلو مترات يحتاج الى ساعة من الوقت على الأقل، كل هذا وعلى رأي الكثير من المحللين والخبراء وبعضهم أفغان يفرض الانطلاق بخطة إعادة تعمير افغانستان من البنى التحتية، ويقول الكثير من الأفغان أن بلادهم تحولت إلى بحر من الدمار وبعضهم يعرب عن تشاؤم عميق حول الوقت الذي يحتاج اليه التعمير، ويمكن القول ان العودة الى الحالة الطبيعية ستستغرق سنوات طويلة بالرغم من الجهود التي تبذل لإعادة الحالة إلى ما كانت عليه على أقل تقدير.‏

سنوات الحرب الطويلة مع طالبان قضت على البنى الصحية في بلد هو في أمس الحاجة اليها، فمعالجة ضحايا الألغام والحاجة الدائمة إلى أجزاء اصطناعية تفرض حالة طوارىء متواصلة.‏

ويمكن القول إن افغانستان تمتلك الرقم القياسي العالمي في عدد مشوهي الحرب البالغ 400 ألف، وهذا الرقم مرشح للزيادة بالطبع كل يوم، وهناك الكثير من الخبراء يقدرون أن أرض افغانستان لا تزال مزروعة بسبعة ملايين لغم لم تنفجر، أي بمعدل عشرة ألغام في الكيلو متر المربع، مما يجعل عمليات تفكيك الألغام ستدوم طويلاً.‏

ويبقى الأطفال والنساء الأكثر تعرضاً، إذ تثير التقديرات الى ان طفلاً من اصل خمسة يموت قبل بلوغ الخامسة من العمر، أما المستشفيات فينقصها إن لم نقل كل شيء الكثير كالادوية، وأطباء الأطفال، وأطباء الجراحة والممرضات اللواتي منعهن نظام طالبان من العمل، ويمكن القول أن 25٪ فقط من الأفغان يستطيعون الحصول على الاسعافات الطبية التي تتولى المنظمات الانسانية تأمين أكثريتها.‏

من المستحيل تحديد متوسط الدخل الفردي في بلد لا وجود فيه لدائرة إحصاءات وادارة مستقرة تستطيع أن تمارس عملها ميدانياً، ولكن تقديرات غربية تشير إلى ان معدل دخل الأفغاني كان 66 دولاراً شهرياً في التسعينات، أما اليوم فإن اقتصاد افغانستان هو في مستوى الانهيار، الجفاف شارك بنصيبه فقضى تقريباً على كل الإنتاج الزراعي الذي يواجه في أي حال صعوبات فرضتها الألغام المزروعة في قسم كبير من الحقول الزراعية، وهناك أيضاً انعدام اليد العاملة في مجمعات ذكورية لم تعرف طيلة حياتها غير الحروب والقتال وتحرم العمل على النساء.‏

في الأيام الغابرة كانت أفغانستان وخصوصاً مناطقها الشمالية تشكل مركزاً تجارياً مزدهراً أفرغ اليوم من كل محتوياته، وأضحت عودته إلى الحياة مرهونة بحل مشكلات النقل الداخلي والخارجي، وأما المزارعون والتجار فإنهم تحولوا إلى بيع الأفيون والى عمليات التهريب.‏

وتحتاج عودة الحياة الى الاقتصاد الى أذرع جديدة والكثير من الأفغان الذين لم يحاربوا غادروا البلاد هربا، وبعضهم لم يعد بالرغم من النداءات المتكررة للمشاركة في اعادة بناء البلاد، وأما عمال الغد في افغانستان فإنهم أميون، لأن ثلثهم فقط تمكن من الذهاب الى المدرسة خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية، ومن تعلم منهم اكتفى بالذهاب الى مدارس طالبان.‏

المساعدات الغربية الى افغانستان متواضعة جداً، ويمكن القول ان الولايات المتحدة الأميركية والتي بدأت بسحب بعض من قواتها من أفغانستان ادركت انه لا مفر من المغادرة بعد الدروس والعبر التي أخذتها، وها هي تترك أرض أفغانستان التي احرقتها منهارة اقتصادياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى دون تقديم مساعدات حقيقية لإعادة الحياة اليها، بل تتركها لمصيرها المحتوم وهو الجوع والفقر، والذي يجعل من امكانية خروج افغانستان من ذلك ضرباً من ضروب المستحيل.‏

وهذا يجعلنا نؤكد على أن الولايات المتحدة الأميركية لها استراتيجيتها في العالم وتتصرف وفق هذا المنظور غير آبهة بحال البلد التي تدخل أراضيه تحت تسميات أصبحنا نعرفها عن ظهر قلب الحرية والديمقراطية والانسانية والتي تخفي وراء ذلك الدمار والدمار الهائل على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وها هي ضحايا الولايات المتحدة تترنح الواحدة تلو الأخرى لمصيرها المحتوم الجوع والفقر والحرمان والمثال أفغانستان!؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية