ضغوط كبيرة يمارسها الأهل والمحيط التعليمي والمدرسي والمجتمع على الطالب، بالترغيب تارة بمستقبل باهر في حال تحصيل مجموع عال في الثانوية العامة، وبالترهيب تارة أخرى من مصير قاتم ونظرات دونية وبحياة اجتماعية دون المستوى إن يتحقق التفوق المأمول، في إشارة إلى أن التفوق ضرورة حتمية للولوج إلى ميادين فروع العلم النبيلة من طب وصيدلة وهندسة ومحاماة، تأهباً لممارسة مهنة محترمة لها «بريستيج اجتماعي» وتضمن عيشاً رغيداً.
وأمام هذا التصنيف للمهن بين نبيلة وخدمية وغيرها، يتم رسم ملامح مستقبل أبنائنا مسبقاً دون مراعاة لميولهم ورغباتهم واهتماماتهم، ليدركوا فيما بعد أنهم مسيرون لا مخيرون، وما عليهم إلا أن يكونوا في عداد المتفوقين، بما يضمن لهم حيزاً في سوق التفوق، بينما يتجاهل الأهل تلك الفجوة بين الأحلام والغايات وبين القدرات الفعلية والإمكانيات والفروق الفردية.
يبدأ التخطيط لمهنة المستقبل عبر إشارة لأطفالنا بمجرد دخول الصف الأول الابتدائي، بأنه سيكون طبيباً عندما يكبر، ويحلق الطفل في عوالم أحلام الأهل ليكون طياراً أو مهندساً بارعاً، وسنة تلو الأخرى يدرك أن حلم الطبيب بعيد المنال، وقدراته لا تؤهله لذلك، وربما يحلم أن يكون فناناً أو مهنياً أو صاحب حرفة، ولكن تقديس التفوق وحصاره يحبطه، فيفشل في تحقيق أمنيات الأهل وتلبية رغباته وميوله.
أفكار اجتماعية سائدة تتحكم بنظرتنا للفروع والاختصاصات الجامعية، فقد يلوم البعض من دخل أحد فروع العلوم الإنسانية أو الاجتماعية بعد نيله مجموعاً أقرب إلى التام، وكأنه ينبغي عليه الترفع أو التكبر على تلك العلوم كونه متفوقاً، في حين تلك الاختصاصات بحاجة إلى المبدعين والمتميزين ليرتقوا بها ويزيدوها غنى.