فقد دبت النخوة الإنسانية دفعة واحدة في رأس (رئيسة منظمة حقوق الإنسان) وانطلق حماسها للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة في سورية نتيجة للأحداث الدامية التي ترتكبها عصابات مسلحة مأجورة، منذ أكثر من خمسة أشهر.
أين كانت منظمة حقوق الإنسان عند الاحتلال الأميركي للعراق وتدميره، وقتل الناس جماعياً أو تهجيرهم أو اعتقالهم وتعذيبهم في السجون أمام العالم أجمع؟ وأين كانت هذه المنظمة عندما تعرض لبنان لاعتداءات إسرائيلية متكررة، ارتكبت فيها أفظع الجرائم بحق الناس الآمنين، ولاسيما في مجازر قانا الأولى والثانية؟ وأين كانت منظمة حقوق الإنسان عندما تعرضت غزة في نهاية العام 2008، لعدوان إسرائيلي وحشي دمر البنى التحتية بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة، وقتل مئات الأطفال والنساء والشيوخ، تحت جدران منازلهم؟.
وبالأمس القريب، ماذا فعلت المنظمة الإنسانية عندما استنفرت السلطات الأمنية في بريطانيا، ستة عشر ألفاً لقمع المتظاهرين من أجل فرص العمل وتحسين ظروف الحياة، وقتلت عدداً منهم واعتقلت المئات؟ أليس في ذلك انتهاك لأبسط الحقوق التي نصت عليها وثيقة حقوق الإنسان؟ بالمئات والآلاف والملايين؟!.
وها هي تبتعد عن مضمون اسمها وأهدافها، إذ تنظر إلى مايجري في سورية في الاتجاه المعاكس، وترى الأمور من منظار القاتل وليس من منظار الضحية، أي تقف إلى جانب الذين قتلوا من أفراد العصابات المسلحة، متهمة القوى الأمنية السورية بذلك، تحت ذريعة قمع المتظاهرين السلميين، وتجاهلت ماقامت به تلك العصابات المسلحة من انتهاكات أخلاقية وإنسانية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، بدءاً من تدمير الممتلكات العامة والخاصة، إلى الاعتداء على المدنيين وقتل عناصر الجيش والأمن.
لقد فقدت هذه المنظمة الحقوقية (الإنسانية مصداقيتها، عندما تناست عن قصد أو عن غير قصد، أن تذكر القوافل من الشهداء العسكريين ورجال الأمن، الذين اغتالتهم المجموعات الإرهابية المسلحة، ومثلت بجثثهم وقذفت ببعضهم في الأنهار، أو دفنت بعضهم الآخر في مقابر جماعية، وربما وهم أحياء، كما فعلوا في حماة وجسر الشغور ودير الزور وغيرها مما يعتبر جرائم همجية ترتكب بحق الإنسانية، وانتهاكاً وحشياً لحقوق الإنسان بأبعادها المختلفة.
ومن المستغرب والمستهجن أن تعتمد هذه المنظمة في بناء قراراتها ومواقفها على ماتبثه القنوات الإعلامية المضللة /المأجورة، وعلى تقارير مايسمى بالشهود العيان/ العميان، بأسماء مستعارة وفي أماكن مختلفة ومفبركة، لاتمت بأية صلة إلى مواقع الأحداث الحقيقية، بل إن بعضها ينتج ويمنتج في الغرف السوداء التي جهزتها القنوات الفضائية المأجورة من أجل الحرب الإعلامية على سورية، لكي يقول الشهود والمذيعون ما يملى عليهم لتشويه المواقف وتزوير الحقائق، ولاتعتمد هذه المنظمة، ولو بقسط من الحيادية والموضوعية، على وقائع الأحداث التي تعرضها وسائل الإعلام السورية، أو تأخذ بما رصدته وصورته وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي زارت جسر الشغور وحماة وديرالزور، ووقفت على حقيقة ماجرى ويجري من دون تشويه أو تزييف، وهي تشاهد بأم لعين تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها العصابات الإرهابية.
فأي إنسان يعني هذه المنظمة، وعن أي حقوق تدفع؟ هل تعني الإنسان المجرم/ القاتل، أم الإنسان الآمن المعتدى عليه، الذي اضطر إلى أن يدافع عن نفسه ووطنه؟ هل تدافع عن حقوق عصابات مسلحة اعتدت على حرية الشعب وكرامته، وهددت أمنه واستقراره، أم تدافع عن حقوق شعب في وطن تعرض لمؤامرة سياسية، اجتماعية، إنسانية، تستهدف أمنه وحياته ووجوده؟.
فسورية لاترفض لجنة تحقيق دولية إنسانية، بل تطلبها وتريدها لكشف حقيقة ممارسات العصابات الإرهابية ضد المواطنين الأبرياء، ولكن شريطة أن تكون هذه اللجنة حيادية وموضوعية، وليست منحازة ومسيسة بقرار أميركي- أوروبي، كما يحصل في مجلس الأمن، ولاشك أن منظمة حقوق الإنسان هي الآن أمام امتحان صعب، وعليها أن تحدد موقفها بصدق وأمانة وتشير إلى من يمارس انتهاك حقوق الإنسان في سورية، هذا الموقف الذي ينطلق من مهمتها ويتناسب مع حقيقة الواقع التي أصبحت واضحة للعيان، يراها الشهود الحقيقيون وليس المزورون أو المستعارون.
وبغير ذلك ستكون هذه المنظمة في خانة الانحياز إلى جانب المحرضين ودعم المجرمين، ولاسيما إذا ما نظرت إلى الأمور بعين واحدة واتجاه واحد، وإذا لم تزن الأمور بميزان واحد، له المعايير ذاتها والأوزان ذاتها، وتفرق بين الكفتين.. وإلا ستكون أول من ينتهك حقوق الإنسان!.