والذي يمكنها من اعتراض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى مثل تلك التي تستخدمها المقاومة اللبنانية أو تلك التي تنطلق من قطاع غزة ، إضافة إلى بطاريات الباتريوت الأميركية التي يمكنها اعتراض الصواريخ البعيدة المدى.
ولقد أرادت الأوساط الصهيونية من تلك الادعاءات إشاعة الانطباع القائل بأن صواريخ المقاومة الوطنية اللبنانية في الشمال أو صواريخ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في الجنوب أو الصواريخ السورية أو الإيرانية لم تعد قادرة على الوصول إلى أهدافها وإصابة هذه الأهداف ، أو أن جزءاً هاماً من هذه الصواريخ سيكون بوسع القبة الحديدية اعتراضه وتدميره في الجو قبل أن يصل إلى الأهداف المحددة ولكن ، ما إن جاءت أول عملية اختبار فعلية لهذه الادعاءات في أعقاب الغارات الصهيونية على قطاع غزة رداً على عملية إيلات يوم 18 آب حين قامت المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه بئر السبع وأسدود وعسقلان رداً على الغارات الصهيونية على قطاع غزة ، حين تبين أن «القبة الحديدية » التي تحدث الصهاينة كثيراً عن جدواها يبدو وكأنها مجرد أكذوبة لا أساس لوجودها على أرض الواقع . فمصادر العدو تحدثت عن صواريخ بلغت أهدافها ، وألحقت بعض الإصابات ، بل وراحت تعلن عن تزايد الإصابات وتعدد المواقع المستهدفة ولكنها لم تتحدث عن صواريخ أخرى جرى اعتراضها من قبل القبة الحديدية المدعاة وتفجيرها في الجو قبل بلوغ أهدافها . فأين هي إذاً تلك القبة الحديديةالتي تحدث عنها الصهاينة طويلاً زاعمين نجاحهم في إقامتها في الجنوب مقابل قطاع غزة كما في الشمال مقابل الأراضي اللبنانية؟ وأين هي تلك الترتيبات المحكمة التي تكفل حماية المستوطنين الصهاينة في الملاجئ ، والتي جرى الحديث عنها في المناورات السنوية بدءاً من التحول 1 إلى التحول 5 ؟ وكيف يمكن التوفيق بين ما أشيع وأذيع عن فعاليات القبة الحديدية وعن حاجة المستوطنين إلى الملاجئ رغم فعاليات القبة الحديدية هذه؟وكيف حدث أنه لا القبة الحديدية نفعت ولا الملاجئ حمت المستوطنين من الضربات؟
هنا قد يتساءل البعض : أيعقل أن تشيع مصادر العدو معلومات عن تجهيزات عسكرية ذات فاعلية معنية دون أن يكون لهذه التجهيزات أدنى وجود ؟وماذا يمكن أن يستفيدوا من خلال إشاعة مثل هذه الادعاءات؟ في الواقع أن الصهاينة دأبوا ، منذ تأسيس الكيان الصهيوني ، على إطلاق ادعاءات تدخل في نطاق الحرب النفسية التي تمارس ضد العرب ، بعضها يتعلق بالسلاح وقدراته ، وبعضها الآخر يتعلق بالتطور التكنولوجي وآفاقه. فلقد سمعنا كثيراً عن إنجازات خاصة حققها الصهاينة في مجال التسلح ، لكن المعطيات الفعلية تقول إن اعتمادهم العملي هو على الأسلحة الأميركية المتطورة التي يضعها الأميركيون تحت تصرفهم . كما أننا سمعنا كثيراً عن ادعاءات الصهاينة حول إنجازاتهم العلمية ، ومن ذلك تلك الأخبار التي ظلوا يرددونها لسنوات طويلة حول نجاحاتهم في تحلية مياه البحر، لكننا لم نرهم يقومون بتحلية مياه البحر على ضوء تلك النجاحات التي زعموها، بل واصلوا مساعيهم السيطرة على منابع المياه إلى الشمال من فلسطين المحتلة وعلى حوض نهر الأردن وفي الجولان، وعلى المياه الجوفية في الضفة الغربية . ولو كان بمقدورهم تنفيذ مشروع خاص بهم لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل بشكل ملموس من الكلفة السائدة في العالم من خلال الطرق المتبعة في هذا المجال، لكانوا قد قاموا بتحلية مياه البحر لاستثمارها بشكل خاص في توسيع الاستيطان بمنطقة النقب . فهم إذاً تكلموا كثيراً عن نجاحاتهم في تحلية مياه البحر بتكاليف منخفضة بهدف صرف الأنظار عن اكتشاف نواياهم المبيتة وأطماعهم في احتلال موارد المياه العربية ، مما يعني أنهم جعلوا من هذه القصة جزءاً من الحرب النفسية المواكبة لخططهم العدوانية ويبدو أن قصة القبة الحديدية تشبه قصة تحلية مياه البحر والشيء الأكيد الذي بات واضحاً الآن أن الصواريخ البدائية التي كان أهلنا في قطاع غزة يطلقونها على العدو ، وغالباً ما تصل إلى سديروت، قد تطورت لتصل إلى أماكن أبعد بكثير، وباتت أكثر دقة وأكثر فاعلية بحيث نجم عنها قتل وإصابة صهاينة وتدمير أهداف صهيونية.
أما القبة الحديدية التي طمأنوا جمهورهم على أنها ستصد صواريخ المقاومة وتمنع وصولها إليهم فقد تبين الآن أنه لا وجود لمثل هذه القبة الحديدية المزعومة ولا وجود حتى لقبة خشبية تقوم باعتراض الصواريخ . ولا نظن أن هناك اعتبارات تكتيكية تجعل العدو يمتنع عن اللجوء إلى قبته الحديدية المزعومة في مواجهة صواريخ المقاومة ، فكل ما في الأمر أنه كان يستغل ظروف التهدئة لإيجاد انطباعات كاذبة عن توفر قدرات دفاعية لديه بهدف إشاعة اليأس عند المقاومين ووضعهم أمام فرضية كاذبة مؤداها أن الصواريخ التي يجهدون في تأمينها لن تكون مجدية في ساعة الجد لأن القبة الحديدية سوف تبتلعها قبل أن تطال الأهداف التي تطلق عليها.