محمد إقبال بلو شاعر أكثر ما ميزه إخلاصه لأصدقائه ومحبته للشعر وهاهو يطل علينا وعلى الوسط الأدبي من خلال عمل أدبي جميل هو كتاب: (رحيق الغمام) هو الاسم الذي اختاره الشاعر لباكورة أعماله ولا أدري لم اختار هذا الاسم ؟ ولمَ حمل الغمام كل هذا العبق؟! هل حبه لأبويه اللذين تركاه وهو في بداية حياته وذكرياته معهما، أب محب للعلم والشعر، وأم متفانية في حبها لأولادها معطاء بلا حدود. أم حبه لأسرته التي كونها زوج تحتمل شاعراً، والحياة مع الشاعر كما يعترف هو صعبة وأبنائه الذين زينوا حياته,!! أم هي المرأة التي لا تغادر قصيدة من قصائده؟!
الديوان يتألف من / 38 / قصيدة من الشعر العربي الموزون بنوعيه الشعر العمودي وشعر التفعيلة، عدد صفحاته / 120/صفحة ويحتوي على مواضيع متعددة من هموم قومية إلى غزل ورثاء وواقع اجتماعي وطفولة كما حرص الشاعر على أن يخصص لفلسطين العربية جزءاً من ديوانه.
فأنجز عملاً مميزاً كهوية شعرية له ومعبر عن موهبته الأدبية. في رحيق الغمام تتعدد الأنثى وتبدو بأكثر من صورة عند الشاعر فالأنثى أم رحلت عنه وهو لم يرتو من حنانها وكأني به يسترجعها كل لحظة ليطلب نصحها يقول في ديوانه:
ورحلت عن سهلي وريف قصائدي
فبكت جبال الشعر ما بين الغمامْ
أهواك أمي يا رحيقا طار للأعلى بخاراً
غار من سربِ الحمامْ
أهواك مثل سنابل نُثِرَتْ على كفّ التراب فأثمرتْ فيضَ الهيامْ
وعندما يحاصره البؤس يسلم للحلم روحه فيترك الباب مفتوحا علها تعود ليرتمي بين أحضانها يشكو لها همومه وجفاء زمانه:
تركتُ البابَ مفتوحاً وظلّ الحزنُ مفتوحاً
فتلكَ خزانةُ الأحزانْ همستُ أجابني صوتٌ
فصحتُ بحرقةِ المشتاقْ: أتت أمي أتت أمي
والأنثى مدينة عربية تنتهك في النهار وتغتال دون مغيث ولكنها (غزة) مدينة البطولة التي لا تذل:
أنت أنثى علّمتْ كل الغزاة الطامعينْ
أن غصن الياسمينْ
قد يهزّ الأرض هزّا
وهي الأنثى عنوان الرجولة:
غزة الأنثى وعنوان الرجوله
يا شموخاً زان أشجار البطوله
يا حريقاً حين يعلو وهجه
يهتزّ جوف الأرض كالنار الجميله
والأنثى بمعناها الدلالي «المرأة» لها المساحة الشاسعة من شعر إقبال وله فلسفة خاصة في جمال المرأة
فضيحتي أني (أشوف) الحب في كل الجسدْ
أقيم طقس الشعر في أعلى الرخامْ
نقشاً على جلد المرايا
فوق أعصاب الخزامى
في غضاريف العظامْ
وحبه للمرأة عاصف وهو كثير الانجذاب لها حتى وإن كانت أنثى ورق، أنثى حلم، وهم:
يا أنت يا أنثى العبقْ
يا حرقة القلب الذي
شوقاً لعينيك احترقْ
يا دمعة في الليل تهمي من يدي فوق الورقْ
هذا التعلق بالأنثى لم يكن لينسيه أسرته وأنى له أن ينسى وهو الطيب الحنون فهاهو يلوح لابنه الذاهب إلى المدرسة:
تلوّح راحة الكفِّ
كأن الكون مجروحاً يودعني
وتلمع في العيون يدٌ
يضيء الورد فسحتها
تودّع آخر الصيفِ
أما الابنة فلها حضور خاص عند الشاعر:
يا حفنة مني أحبكِ
لست أدري كيف صرتِ الماءَ
في غيمي.. وإزهار النباتْ
تغفين حول فصاحتي
فيضجُّ في قلمي الشعورْ
يا كوكباً ثبُتتْ أناملهُ على ورقي
وصرت على جناحيهِ أدورْ
في رحيق الغمام يخلص إقبال لشعره أكثر مما يخلص لجغرافيته التي لا يقصدها إلا عندما يحتاج لإكمال صورته الشعرية فهو يستنجد بحقائقها العلمية لتساعده في تكوين صورة مبهرة شعريا أو تأكيد فكرة ما.
أرى الشطآن تهجر بحرها خوفاً من المدِّ
من الأسماك إن طارتْ إلى غيماتها
نزقاً من الجهدِ
من النسمات إن عصفتْ
وأرّقها جنون البرق والرّعْد
إقبال شاعر رقيق عذب الكلام جميل الصورة ولكنه عندما يثور غاضبا لأمته يفقد شعره الكثير من ميزاته وتغدو القصيدة خطبة جافة.
بهزّةٍ أرضيّة ستُهدَمُ
لتعلموا.. لتعلموا..
يا أيها الكفار منكم يثربُ
ستنجلي.. وبالجهاد تغلِبُ
لأنكم بالسلم لا.. لن تذهبوا..
فأبشروا بذي الفقار بينكمْ
مشرّقُ مغرّبُ
(رحيق الغمام) باكورة أعمال الشاعر محمد إقبال بلو،يتبرج فيه الحب ويتلون وتكثر الصور الملفتة بألوانها المختلفة، تشدنا قاتمة زاهيةً. كتاب يبشر بشاعر كبير تطاوعه القصائد حتى تنساب الكلمات بين يديه كالرمل بين الأصابع لتشكل قصائد وقصائد،لابد أن يكون لصاحبها شأن كبير في الساحة الأدبية...
طبع الديوان / 1000 / نسخة كلها ستقدم إهداءات لشعراء الوطن العربي والمهتمين والذواقة.
علماً أن حفل توقيع الديوان سيكون ضمن فعاليات ملتقى الحكايا الثامن الذي سيقام في دمشق.