تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفنان الراحل مجيب داوود... عودة إلى مسار التحول الثقافي المعاصر

ثقافة
الأثنين 5-9-2011
أديب مخزوم

الفنان الراحل مجيب داوود أحد أوائل الفنانين السوريين المعاصرين، الذين منحوا في تجاربهم المتنوعة إيقاعات اللوحة الفنية نفحة تكوينية وتلوينية جديدة،

زاوجت في مؤشراتها المتحررة ما بين معطيات اللمسة اللونية المسطحة وإيقاعات الزخرفة المتداخلة مع الأشكال المختلفة (من إنسان وطير وحيوان..) ومع هذه المعطيات المتحررة بدأت لوحته الحديثة تتجه أكثر فأكثر نحو النبرة الشرقية في انحيازها الواضح نحو التبسيط واضفاء الملامح التعبيرية، وإبراز العناصر الزخرفية المتحررة من التناظر والصرامة الهندسية.‏

تداخلات‏

ومن الناحية التقنية استطاع الوصول إلى سطوح لونية باهرة عبر التأكيد على جمالية المساحة القادمة من طريقة استخدام المشحف في الرسم الزيتي، كما أنه في لوحاته التي عرضها في منتصف السبعينات في صالة دار المعلمين في طرطوس (وتيسر لي مشاهدتها) كان يميل إلى إظهار اختباراته التشكيلية الجامعة لعدة مظاهر تقنية (زيتية وفلوماستر وأحبار وقصاصات ورقية ملونة..) باحثاً عن حضور بصري، ضمن اتجاهات المدرسة الجديدة المتحررة في التشكيل السوري، التي ساهم في تكريسها وتثبيتها حين استلهم عناصر البيئة بتكوينات تشكيلية ذاتية وخاصة مبنية على مبدأ تداخل الخطوط الإنسيابية والمساحات المسطحة، والتي تقترب في مسارها الاختزالي الرمزي من التأليف المنتظم البعيد عن تعقيدات الانزواء داخل الشرنقة المتأزمة في الفن المعاصر، وبذلك أوجد خصائص أصيلة لمنطلقات لوحته التي قدمها في الستينات والسبعينات.‏

وفي أعماله الزيتية اتجه مجيب داوود لإظهار ملامح وظلال الأشكال، متخطياً بذلك أفقية الامتداد التصويري الواقعي، في خطوات الوصول إلى جوهر الأشكال وخلاصاتها، ولقد تواصل في تلك المجموعة من لوحاته، مع اللغة التشكيلية المعاصرة، التي تداخل بين الموضوعية، وبين التعبيرية الرمزية المعتمدة على عناصر التاريخ الحضاري الفولكلوري والزخرفي والحروفي.‏

توازنات الرؤية‏

ويمكن القول أنه استعان بتعبيريته بالكثير من الرموز والإشارات والانفعالات اللونية، التي تعتمد على حركة الرسم العفوي والتلقائي، والذي نجده في الحركات اللونية المسطحة الناتجة عن لمسات اللون العفوي، رغم أنه من جهة أخرى كان يركز لإظهار حركة الخط المتواصل الذي يحدد العناصر والإشكال المتداخلة في اللوحة ضمن صياغة أسلوبية خاصة ولصيقة به، بقدر اعتمادها على المخزون الثقافي القادم من تأملاته المتواصلة لمعطيات التراث العربي والأساليب الفنية الحديثة والمعاصرة.‏

هكذا استعاد عناصر لوحاته من مخزون الذاكرة البصرية وتداعياته العاطفية معاً، أنها اللوحة المشرعة على الأحاسيس الإنسانية العميقة وعلى الرموز الحضارية التي برزت في لوحاته كإيقاعات عقلانية مركزة، على أساس أن الصياغة التشكيلية الجادة تتطلب قدراً من الوعي وهذا ما نجده في تنويعات أعماله المختلفة القائمة في معظمها على تقنية تسطيح المساحة وتوحيد اللون، حتى أنه استخدم في بعض أعماله تقنية إلصاق قصاصات ورقية ملونة، وهذه الطريقة خدمت لوحته وتوجهه التقني المشرع على كل الاحتمالات التعبيرية في الفنون التشكيلية الحديثة.‏

تبدلا ت إيقاعية‏

واعتماده على تقنيات فنية متنوعة منح العين تبدلات إيقاعية، تعيدنا في كل مرة، إلى الحالات الانفعالية التي كان يعيشها، والتي تتبدل نتائجها من لوحة إلى أخرى مع بقاء الخصائص الأساسية، التي كانت تشكل التتابع التصاعدي الأسلوبي المقروء في مجمل لوحاته ورسوماته.‏

وهذا يعني أن الخصائص الأساسية في أعمال مجيب داوود تكمن في أسلوب الحفاظ على العصب التشكيلي الخاص المتملص في أحيان كثيرة من معطيات الفنون الأوروبية والمنفتح على تداعيات التراث الحضاري في خطوات الوصول إلى صياغة أسلوبية مميزة تتسم بالترابط التشكيلي الخالص، الذي يتجاوز من الأساس السياق البصري الأكاديمي أو الواقعي إلى درجة امتنع فيها عن تصوير الأشكال المألوفة في الفضاء المرئي.‏

مجيب داوود من مواليد رويسة المندرة قرب صافيتا عام 1940، درس الفن في القاهرة ودمشق، وسافر في جولة اطلاعية إلى باريس عاصمة الحداثة التشكيلية، وأقام خلال حياته القصيرة ثمانية معارض فردية. إضافة لمشاركاته في معارض دولية في أكثر من عاصمة ومدينة عالمية وعربية. ولقد رحل عن عالمنا في العام 1978 بحادث سير مفجع، بعد أن ساهم بتقديم الحلول المناسبة، التي تتعامل مع المنطلقات التراثية بصياغية حديثة، مراعياً الاحتفاظ بمرتكزات خطه الأسلوبي، وهذا ما أعطاه شرعية البقاء في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، لاسيما وأن وزارة الثقافة قد أطلقت اسمه على مركز الفنون التشكيلية في طرطوس، تقديراً لدوره الطليعي والفعال، في بروز نهضة الفن التشكيلي السوري المعاصر، حيث كان سباقاً في كسر تقليدية اللوحة الخاضعة لمنطق القرون الوسطى والوصول إلى صياغة فنية متطورة لها حضورها الخاص ودلالاتها الفنية المعاصرة.‏

adibmakhzoum@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية