ساعة أو ما يزيد من كلّ شيئ ما عدا رائحة المسرح :تهريج رخيص ,دعاية فجّة لشركات وماركات لم يقبض ثمنها المسرح,خيال فقير ,وفوق ذلك كلّه ,استجداء سافر للمكافآت من مدير المسارح وكأنّنا في حضرة خليفة يصفّق بيديه فيرمى لأحدهم بكيس من النّقود .
كان الأمر أشبه بافتعال مناسبة لذكر مناقب الميّت من قبل شخوص لم يعرفوه ولم يتعرّفوا إليه في حياته قبل مماته,أليس الأمر مزريا إلى حدّ الضحك التشيخوفيّ!!!
ليس بالورود والقبلات والدّبكات الناشفة يحيا المسرح,لقد اندسّ المشيّعون مع المحتفلين واختلطوا بهم بل وتقدّموا عليهم حتّى بتنا غرباء ولم نجد مقاعد لنا في صفوف احتلّها المتزلّفون من الذين أرادوا الجمع بين امتياز المسرح وشرف التلفزة زوراً وبهتانا.
جثمت شاشة الإسقاط(المتلفز)على صدر المسرح واختارت بخبث واضح من المنجز المسرحي السوري مقاطع دون غيرها إمعانا في التهميش ورغبة في حجب ضوء المسرح بغربال المصالح الضيّقة والحساسيات الشخصيّة.
هل أنّ ما اختير على تلك الشاشة المنحازة هو كل ما عرفته خشبات دمشق وإن كانت لا تتّسع لكلّ الأعمال فلماذا لا تعتمد سلّم الكمّ والجودة والانتشار والاعتراف بها خارج البلاد كأضعف الإيمان!؟.
لا أحد ينكر جدّية سلطات الإشراف واحتفاءها الدائم بالإبداع وعدم تفريقها بين نجاح و آ خر إلاّ بقدر ما يصلها من أنباء...و(كتب) ومذكّرات...ولكن..
هل هي الأخطاء التنظيميّة كعادتها :عذر باهت وممجوج دائما ؟ولماذا تتكرّر ,هل قدرنا أن نستمرّ ضحيّة للصّدف المقصودة في كلّ مرّة!؟
بإمكاننا أن نستحضر عشرات العروض لمسرحيين سوريين-من مشارب وأجيال مختلفة- تألّقوا وأمتعوا وأخلصوا للفن الرابع بصمت ولم ينتظروا من هذا اليوم إلاّ شيئا من التذكّر والتّربيت على أكتافهم كي لا يعود واحدهم إلى بيته بوردة ذابلة بين يديه وملصقة بلهاء على سترته ودموع خيبة في عينيه.
لماذا هذه المآدب المسمومة!؟هل أصبح المسرح خروف عيد يزيّن و يعلف كي ينحر صباح الاحتفال!
أجدر بنا أن لا نحتفل كي لا تجرح الجراح الطريّة ولا يتسلّل المتطفّلون ولا يدّعي المدّعون,لنحضر عرضا مسرحيّا –إن وجد-أو فلتطفأ الأضواء وتستريح الخشبات والعمّال والأيادي من التصفيق.
ليس اعتباطا أن لا يفكّر القائمون على الثقافة في العالم في تخصيص يوم للتلفزيونيين لأنّ الأخيرين يدخلون بيوت الناس دون استئذان فلماذا نذهب كي نراهم فوق ذلك؟وأين سنلاقيهم ,في مواقع التصوير؟!وهل لديهم الوقت الكافي ؟وهل تسعهم قاعة واحدة ؟هل يكتفون بكرتونة أو زهرة أوقبلة؟ا
المنافسة سوف تكون حتما بين شركات الانتاج وسطوة المال الذي تفوح منه رائحة النفط ,ليت هذا المال يذهب لشيء آخر غير تكريس الحنين إلى ثقافة الثأر ومعاداة التقدّم.
قد ينتعش شبّاك المسرح حين يعتلي منصّته نجم تلفزيّ لكنّ الانتعاش الفني الأكبر يكون للدراما التلفزيونية حين يؤمّها رجل مسرح ممثّلا كان أم كاتبا.
يجب الإقرار أنّ القائمين على المسرح كما القائمين على الكتابة في الصحافة مازالت لديهم عقدة نقص من نجوم التلفزة إن هم مثلوا في حضرتهم ,تراهم يبخّلون على الأبناء الاحترافيين في المستحقّات الماديّة والمعنويّة دون مبرّر , فهل تفعل التلفزة ذات الشيء مع أهل المسرح والكتابة إن هم تجرّؤوا على اقتحام أسوارها,,؟!.لماذا يحظون بصدور بيوتنا بينما هم يجلسوننا على العتبات؟.
ليس الأمر تأليبا لفريق ضدّ آخر وإنّما دعوة لإعادة الاعتبار لهذا الفن النبيل الذي عانى و-لايزال - من ظلم ذوي القربى قبل الغرباء والهجينين .
المسرح فعل تطهير ومحبّة من حيث هو حرب على القبح وانتقام من الظّلام واستشراس في الدفاع عن الجمال فلماذا يصرّ بعضهم على جعله منبرا للتهميش والكراهيّة وتصفية الحسابات .
يبقى أملنا قائما, في يوم قادم من سنة قادمة...كما كنّا نمنّي النفس كلّ عام...لعلّ هذا هو المسرح :فن حليم وحالم رغم كلّ شيء.