تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حكاية بحرية

رسم بالكلمات
الاثنين 1-6-2009
فادياعيسى قراجه

من فوق هذا الجرف تدحرجت قصتنا، وقفنا شهوداً على انتحارها، كنا حياديين، أدرنا ظهرينا، ومشى كل في طريق...

فوق هذا الجرف، ولدت قصتنا، كنا في رحلة جامعية، كنت بالنسبة لي زميلاً بليداً، لايجيد القراءة ولايحسن الرسم.. ماأحيلاه شغبنا، وصوت البحر الذي موسق خطواتنا المتنافرة..‏‏

كم تفاخرت بمدينتك البحرية، كم تنافسنا كشاعرين عريقين في إظهار جمال مدينتنا..‏‏

قلت لك: هل باستطاعتك إحصاء القصائد التي تغنت بحجارة مدينتي؟‏‏

قلبت شفتك السفلى كتلميذ كسول، وتركتني مع سؤالي معلقين بطيفك..‏‏

والحب يعرش فوق شفتيك الخمريتين ثم يذوي.. ثم يذبل.. كم وددت لو أني أقطف تلك الكلمات الحبيبة التي قالتها عيناك، وتهدج بها صوتك ونبضك..‏‏

ها قد أبعدتنا متطلبات الحياة ووأدنا قصتنا القصيرة في رمال الأحلام لكن هاتفك جاء يدغدغ وجه النسيان ..لقد دعوتني إلى مدينتك الزرقاء كما تحلو لك تسميتها..أقفلت هاتفي لاأريد سماع صوت بعد صوتك..أين سأحبس فرحي؟ إذن لم تنسن؟! مازالت ذاكرتك تجيش بتلك الأيام، مازلت مخلصاً لرواحنا ومجيئنا، لاستنطاقنا المقاعد والأشجار التي ترتجف على ضفاف مدينتي..‏‏

حزمت أمتعتي، وخرجت أغرد للطرقات، وأصابعي تغط بقوة على ورقة سجلت فيها عناوينك، كنت أستظهرها بين الفينة والفينة وأنا أتخيلك تجلس فوق كل حرف فيها.‏‏

فوق مدارج الأسفار، وقفت كالبلهاء..لقد رفضت مدينتك فتح الأبواب.‏‏

أخبرتها بأنك بانتظاري في الجهة المقابلة، وأخاف أن تتوه مني في هذا الزحام.‏‏

حدثتها عن مدينتي التي تركتها، وأنا في عطش للأزرق، لكن آمالي تبخرت وأنا مسمرة خلف الأسوار، يتسرب غناء البحارة الحزين عبر الشقوق، ويجرح قلبي صراخ الصيادين.‏‏

أيتها المدينة مازلت أحلم بدخول أوقيانوسك العظيم فلا تخذليني.. فقد خرجت من مدينتي أحمل أسراراً صغيرة وحكايا كثيرة عن معارك التخمة والجوع.‏‏

قلت لي: ستجدينني أزجي الوقت بتعلم مشية السرطان المائلة.‏‏

قلت لي: وسأفشل بالتأكيد لأن تلك السرطانات الحمراء، اللعينة لن تعطي سرها لأحد.‏‏

وقلت لي: وإن لم تجديني على تلك الصورة فسأرتدي البحر، وأتزنر بزبده.‏‏

يالغبائي! متى سأدرك أن هؤلاء الرجال لايمكن أن يتزنروا بالزبد، فما الزبد سوى صرخات رغوية لحورية خرجت على نواميس قبيلتها من أجل رجل سيخونها، فكيف يتزنر القاتل بكفن قتيله؟!‏‏

أيتها المدينة المتغطرسة، افتحي الأبواب كي أرسم لك أزقة مدينتي وشرفات بيوتها المتعانقة، وكما لديك من القصص ماجعل ملوك الأنس والجن يركعون عند قدميك فأما أحمل سفر مدينتي من ألفها إلى يائها.‏‏

مدينتي التي تتغنى بأسماء شوارعها، وألقاب أبطالها، وعناوين جميلاتها، وألغاز دراويشها.‏‏

افتحي الأبواب كي أرى بعينيك، وأتنفس برئتيك، وأعشق بقلبك.‏‏

فمدينتي لاتغلق أبوابها، ولها موعد كما لكل المدن مع قصص الحب الذي يستوطن بين البيوت المرسومة بالأبيض والأسود.‏‏

ليس ذنباً إن حزمت أمتعتي، فقد تسلل صوت ذلك الرجل، أحرقت أنفاسه مسامعي، ومن جملة هلوساته:‏‏

تعالي فلدينا بحر أزرق، ونوارس، وجزر وحيدة تنتظرنا‏‏

عندما داست قدماي الساحات المكتظة، استوقفتني تنهدات البحر المختلطة بتثاؤب الأحاديث، وعواء القلوب، وكلمات الحب الفاحشة، والخجولة، والمساومات التجارية، والجسدية.. قلبت الوجوه وأنا أبحث عن رجل فشل في أن يكون سرطاناً بمشية مائلة، ولم يرتد البحر، ويتزنر بزبده.‏‏

بحثت عن مدينة تغري مريديها بشالها الأزرق، وقبعتها البرتقالية، فخاب ظني وماوجدت بغيتي..‏‏

جلست فوق الأرصفة أغني حكايا الصيادين، وأخترع أسماء وبطولات ماسجلتها كتب التاريخ.‏‏

لم يسمعني سوى زعيق النوارس التي كانت تدنو..وتنأى.‏‏

جمعت أمتعتي وغادرتك أيها البحر الذي ما لامست أمواجه، ولا تغلغلت في حضن رماله.‏‏

غادرتك وفي قلبي ألف غصة زرع بعضها رجل تنساه المواعيد.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية