تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كل خميس.. الحيطان لا تحمي الخائفين (حديث الظهور)

ثقافة
الخميس 8-9-2011
حكيم مرزوقي

صرت أخشى المدلّكين و(المكيّسين) والمربّتين على كتفي وكربي وأحزاني، صرت أحتاط من الواقفين خلفي على طوابير العزلة والانتظار.

 يا ظلّي الذي يصغرني في الظهيرة ويكبرني في المساء، ارفع يديك  لأتأكّد من أنّك لا تحمل آلة حادّة.. وحدّثني عن الشرفات التي تتلصّص عليها، عن الشاحنات التي تدهسك كل يوم ، عن الأمطار التي تبلّلك ولا تشتكي، عن الشمس التي تلوّح جلدك الأسود.‏

 الحياة بلا صديق كصديق بلا خنجر..يخفيه خلف الابتسامة... وخلف ظهره يا ظهري الذي لم أعد آمن جانبه.‏

ظهري الذي أدار ظهره نحوي ولم يعد يأتيني  إلاّ في أسوأ الأوقات وأحرجها.‏

ظهري الذي لم تطله أظافري في الحكّ فاستعان بخناجر الأصدقاء وأنياب الأحبّة ومخالب  المخلصين.‏

(لاتخش سكيناً ذا نصلين ولاسيفاً ذا حدّين ولاورقاً ذا وجهين، بل ظهرا قد يتآمر عليك مع قاتلك)، عبارة ورثها الحفيد عن جدّ  مات ينزف إخلاصا لمن خانوه.‏

(لا تعش دون أعداء ولا تعاد دون أصدقاء ولا تعتذر إلاّ من قتيلك)، عبارة قالها القاتل  بلغة موليير  إلى مساعده العربي في أزهى مراحل الاستعمار.‏

هل خلق الله الظهور كي تطعن والوجوه كي تصفع والأسرار كي تكشف  والأعراض كي تستباح...أم أنّ الحقيقة في نقيضها.‏

ظهري لا تسنده الحيطان ولا الأقرباء ولا مسدّسات المرافقين ولا أظافر الحكّ.. بل الطعنات والوشايات ونمائم الذين أحببتهم.‏

لا تمنح ظهرك إلاّ لزوجة  في السرير أو نشرة أخبار  في الصالون أو قاتل مسلّح وأنت أعزل مثل  قطعة سلاح في متحف...لا تطمئن  لحبيبة تعانقك من الأمام بل لواحدة تطوّقك من الخلف...عفوا، هل قلت (حبيبة في السرير؟، حسنا، اجعلها في أي مكان آخر غير السرير...تدبّر أمرك، فإنّ الأسرّة  تدعو للتثاؤب دائما).‏

الظهور لا ترتدي الأقنعة، تدفأ كفّ طاعنها بدموع حمراء  ...وتكتفي بالنزيف  .‏

أوليست الوجاهة من الوجه والصدارة من الصدر والمظاهر من الظهر!؟...(ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك).. تأمّل في آية هذه الآية.‏

أي بني،  أيها الظهر الطريّ الذي لم تطعنه الوشايات  بعد، والذي لم تقسمه الحماقات  بعد،.. كم ستهرول نحو لحظة انشراح وهاوية، كم ستخونك  الأصابع التي دلّكتك والأنامل التي حكّتك والشفاه التي قبّلتك...كم ستحنّ إلى الوجوه التي في وجهها نظر.‏

خلق الله الظهور  دون عيون وخلق معها الأصابع التي لا تطال القمر  ..ألا ترى أنّ الخناجر  –كما اللسان-مقوّسة دائما وعلى عكس السيوف والبنادق والسكاكين وحتى الرصاص والكلام الصريح.‏

 يركب الناس الظهور متجنّبين  البطون، يتوّجونها بالسروج والأجنحة والطعنات، ولا يرى الشمس إلاّ من أدار ظهره للظلام ، أمّا الخنافس والسلاحف فلا ترى زرقة السماء إلاّ مرّة واحدة وأخيرة.‏

وحدها الأرض تحفظ ظهورنا من النسيان والطعن والانكسار، وحدهم (المكيّسون) في حمّام السوق ينظّفون ظهورنا ممّا علق فيها من شتائم ونمائم ثمّ نكافئهم على حسن نواياهم وعدم  استبدال كيس التنظيف بخنجر مسموم.‏

الحيطان لاتحمي ظهورنا بل تتفرّج على قتلنا، و تستقبل الشتائم والرصاص. قل لن يحميك من يقف خلفك بل من وقف إلى  جانبك، هل رأيتم حائطاً يحمي رجلاً !؟.‏

الرجال -كما الحيطان التي تستند إليها ظهورهم -: مصيرهم الخراب  والانهيار فوق المستجيرين..وتبقى الأساسات بلا ظلال.‏

المخدوعون هم أولئك الذين خانتهم ظهورهم قبل الخناجر وتزيّنت الحيطان: (ظهور ظهورهم) بصوت اسمه الأحمر.‏

أمّا الرجال الحقيقيون فهم أولئك الذين يشتمهم  الآخرون  في العلن جماعات   ثمّ يترحّمون عليهم  في سرّهم فرادى.‏

 أولئك الذين لا يموتون ميتة الشياه ولايعيشون حياة القوارض، بل نسور  تبلغ من العمر عتيّا ، فتحلّق عاليا نحو قمّتها الأخيرة (من قال إنّ القمم تشاهد بالعين المجرّدة وهي شامخة بالضرورة) ثمّ  تطوي أجنحتها وتنزل مثل وابل من الغضب.. إنهم يرحلون  ولايخفون رؤوسهم تحت الأجنحة  كما تفعل بقيّة الطيور.‏

من قال إنّ الصدور للعناق والملاحم والأسرار وإنّ الظهور  للهزائم وال (ديسك) والخيانات.‏

آه يا ظهري....اعذروني، لقد طال جلوسي على هذه السطور وإني أتحسّس بداية ديسك..لا سمح الله.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية