ومشكلة كره بعض الأطفال للمدرسة والتهرب من الدوام، لها أسبابها وأبعادها التي تلقي بظلالها على الاستقرار النفسي للآباء والأمهات فتؤرقهم ويحارون في البحث عن أسبابها لايجاد الحلول المناسبة تفادياً لما يمكن أن تعكسه على التحصيل الدراسي وحياة الطفل مستقبلاً.
معاناة يومية للأهل
حالة من الكر والفر تخوض غمارها كثير من الأمهات صباح كل يوم مدرسي وهي تطارد ذاك الطفل الصغير المتمرد المتهرب، تقول أم فادي: يتذرع طفلي بالمرض والاعياء الكاذب للتهرب من الدوام المدرسي والبقاء في البيت بقربي لشدة تعلقه بي وأحياناً يختلق الأكاذيب بأن المعلم في الصف يضربه ويوبخه بقسوة وقد تأكدت من كذبه بعد ذهابي إلى مدرسته.
بينما فشلت محاولات السيدة ماجدة المتكررة والحثيثة مع أبنائها الثلاثة سواء بالترغيب أو الترهيب ولكن دون جدوى ولم تدع طريقة إلا واتبعتها بالثواب والعقاب ومع ذلك فإن مشكلة التهرب من المدرسة عانتها معهم جميعاً وقد تركوا المدرسة قبل الحصول على الشهادة الاعدادية وحجتهم بأنهم لايحبون المدرسة.
هذه المشكلة لا تقتصر على الأهل فقط، فقد حدثتني إحدى المعلمات في مرحلة التعليم الابتدائي عن تلك الفوضى العارمة التي يفتعلها بعض التلاميذ محاولة لاستفزاز المعلم لطردهم من الصف.
وعندما حاورتهم وتقربت منهم استخلصت نتيجة مفادها عدم رغبتهم في متابعة التحصيل العلمي وعدم قناعتهم بجدوى التعليم وبحالة الملل التي تنتابهم أثناء الدراسة.
استعدادات الطفل وقدراته
وقد استحوذت هذه القضية على اهتمام المربين والاختصاصيين الذين وجدوا أن هناك أسباباً عدة كامنة وراء تهرب بعض الأطفال من الذهاب إلى المدرسة وهي شخصية الطفل وما يملكه من استعدادات وقدرات وميول تجعله لا يتقبل الجو المدرسي وقد تكون لديه معاناة من اعاقة أو عاهة صحية أو نفسية تمنعه من مسايرة زملائه وتجعله موضعاً لسخرتيهم ما يدفعه إلى الاحجام عن الذهاب إلى المدرسة.
ومن الأسباب أيضا عدم قدرة التلميذ على استغلال وتنظيم وقته مع جهله لأفضل طرق الاستذكار ما يسبب له احباطاً واحساساً بالعجز عن مسايرة زملائه في التحصيل العلمي أو ربما الرغبة في تأكيد الاستقلالية واثبات الذات فيظهر الاستهتار والعناد وكسر الأنظمة والقوانين التي يضعها الكبار، والتي يلجأ إليها كوسائل ضغط لاثبات وجوده.
ضعف الدافعية للتعلم
وقد يعاني بعض التلاميذ من ضعف الدافعية للتعلم، حيث تتدنى دوافع التعلم ما يفقده الإثارة لمواصلة التعلم وبالتالي يؤدي إلى الاخفاق المستمر وعدم تحقيق التكيف الدراسي والنفسي وربما يعود سبب التهرب إلى سيطرة بعض أنواع العقاب بشكل عشوائي كالحرمان من بعض الحصص الدراسية أو التهديد بالاجراءات العقابية، كما أن عدم الاحساس بالحب والتقدير والاحترام من قبل أفراد المجتمع المدرسي، فيبقى قلقاً ومتوتراً وفاقداً للأمان النفسي يضاف إلى ذلك عدم ايفاء التعليم بمتطلباته الشخصية والاجتماعية وعدم توفر الأنشطة الكافية والمناسبة لميول التلميذ.
فقدان الأمان النفسي
ويؤكد التربويون على أهمية الجو الأسري الملائم فاضطراب العلاقات الأسرية وكثرة الخلافات والمشاجرات تشعر الطفل بالحرمان وفقدان الأمان النفسي، كذلك ضعف عوامل الضبط والرقابة الأسرية وعدم متابعة الأبناء دراسياً يضاف إلى ذلك الدلال والحماية الزائدة أو عدم قدرة الأسرة على الايفاء باحتياجات الطفل المدرسية ما يدفعه إلى الغياب منعاً للاحراج.
وللحد من التهرب والغياب عن المدرسة يطرح المختصون بعض الحلول، كالتشجيع والدعم ومشاركة الطفل في الأنشطة المدرسية وتكوين صداقات داخل المدرسة وتعزيز علاقة التليمذ بالمعلمين والنوم لساعات كافية وتغذيته بشكل مناسب.