مر عيد الفطر على مدينتنا، لم يأت كعادته بهيجاً، ينثر الفرح في الحارات والساحات، وعلى الشاطئ، فالشاطئ مهجور منذ أشهر، والناس محزونون وغير قادرين على ممارسة الفرح لا.. الآن، وإلى زمن بعيد.
«أنا وأنت» لم نلتقِ كعادتنا في كل عيد في مقهى شاطئي.. كل مقاهي الشاطئ مقفرة، لاغرباء يؤمونها، ولا أبناء مدينتنا يأتون اليها كعادتهم.
صديقنا المشترك «أبو عدنان» هذا الرجل الذي تقاعد منذ عام تقريباً، انفجر ضيقاً من الجلوس الطويل في البيت، نزل إلى الشاطئ في أول يوم للعيد للترويح عن نفسه، جاءته رصاصة في صدره، فوق القلب بموضع إصبعين، الحمد لله كانت إصابته خفيفة، البارحة كنت في زيارته بالمشفى، كان شديد الألم، ليس بسبب الرصاصة التي اخترقت صدره، وإنما بسبب الحالة التي وصلنا إليها.
لماذا يحدث مايحدث في بلادنا؟! أذكر ماقلته لي أنت شخصياً قبل الأحداث بزمن طويل: «إن أميركا لن تتركنا في مأمن، سورية في عين إسرائيل وأميركا شوكة حادة، سيحاولون كسر رأس الشوكة، لكن سورية لن تكسر »كنت شديد الثقة بالمواقف السورية التي أسميتها أنت المواقف العروبية التاريخية التي تمنع زوال أمة. وقلت لي أيضاً: «الغرب يسعى إلى نشر ثقافة التشكيك بالعروبة، وهذا التشكيك يفضي إلى تشكيل ثقافات أخرى، بعضها يقوم على ثقافة الطائفة والمذهب والعرق».
البارحة.. فاجأتني بطريقة حديثك على الهاتف، تجنبت الحديث عن أميركا.. لا.. بالخير ولابالشر، تجاوزت الحديث كله بسؤالك:
«لماذا الجيش في الشوارع؟!».
تخيلتك واحداً من أولئك الذين يخرجون علينا من الفضائيات للحديث عن سلمية التظاهرات.. آلمني سؤالك وأنت المثقف التقدمي الذي يعيش في قلب الحدث .. ويحلل ويبحث عن الأسباب دائماً.. ياصديقي.. يبدو أننا يساريون متى نشاء، وليبراليون متى نشاء، وطائفيون متى نشاء، ونشتم أميركا وسفير أميركا متى نشاء، معارضون متى نشاء، وموالون متى نشاء، هل التلون بالمواقف السياسية بات موضة؟!.
أنت المثقف التقدمي يساري كما أعرفك.. أسألك أين أنت؟!، أقصد أين دورك والوطن في محنة؟!..المثقفون العرب، أو غالبية المثقفين العرب بين صامت أو مشارك لأميركا والغرب في الأحداث التي تلتهم العالم العربي إما بصمته أو بتحجيم دوره النخبوي، يبدو أن للدولار سحراً أكبر من سحر المبادئ والمواقف، ياصديقي، بات المثقفون أو أغلب المثقفين،كأشجار يابسة عارية من أوراقها وفيئها وثمرها وطيبها.. هذا إعلان عن موت أمة، أو بداية لإعلان موت أمة!
في ثمانينيات القرن الماضي عندما اندلعت الأحداث في بلدنا كما هو الآن، أحدهم أنشأ جمعية ... ... انتسب إليها أناس من كل الطوائف والمذاهب يومذاك، ومع ذلك.. نحن المثقفين من تلك الطائفة التي نشأت فيها الجمعية قاومناها بقوة، ورفضناها بقوة، وحاربناها بقوة، وحاربتنا بقوة، ومع ذلك أجهزنا عليها، لم نسمح بمرورها، لسبب واحد، هو أننا قرأنا فيها نفساً طائفياً، لماذا لاينهض المثقفون في حارتكم، وفي كل مكان لرفض تلك الهتافات الطائفية، وهذا القتل الذي يجري على الهوية!!
ليس في يدي أو في يدك أمر ولادتي أو ولادتك في هذه الطائفة أو تلك.. الطائفة انتماء بالفطرة، لكن الطائفية سلوك، ثقافة من صناعة أعداء الأمة، نحن السوريين رفضنا السلوك الطائفي دائماً، فلماذا يستيقظ الآن من فسوخ سايكس بيكو الجديدة؟!
هل مايجري اليوم في الشارع السوري من تظاهرات يحمل بعضها شعارات دموية وطائفية يخدم سورية والإسلام والعروبة والإصلاح والوحدة الوطنية المتماسكة منذ قرون؟!.. هل تخريب الاقتصاد، وجر الجيش من مواقعه المتقدمة في مواجهة إسرائيل إلى الداخل لمواجهة عناصر تحمل السلاح يخدم دور سورية الوطني والقومي، أم إسرائيل وأميركا..؟! هل تلك الشتائم العاهرة من طبيعة الشعب السوري، هل تلك النصائح التي يطلقها المستسلمون العرب في مكانها وهم لايعرفون إلى الآن مامعنى الإصلاح، ولا الانتخابات، ولاقوانين الأحزاب، ولاحقوق المرأة، ولاحقوق المواطن، ولاتوزيع الثروات، ولا العدالة الاجتماعية.
إن في نصائحهم دعوة للاستسلام.
الدولة العثمانية ادعت حمايتها لمذهب ما، فاحتلت العالم العربي أربعمئة سنة، عاش خلالها العالم العربي أرذل تاريخه، وقتل ملايين العرب في حروب غير حروبهم، وعندما أرادوا فتح أجفانهم على الحرية رفعت لهم المشانق.
ماذا سيقول السلاطين العثمانيون الجدد في هذه المرة، وهم في عز تناغمهم مع أميركا والناتو وإسرائيل في لحظة يبكون فيها على حال السوريين؟!
هل بات العالم العربي كعكة، أو جيفة لتتقاسمها الضباع؟!
هذه هي نظرية الفوضى لإشعال العالم العربي والإسلامي في حروب عبثية في خدمة إسرائيل وأميركا والغرب..
ياصديقي..
وزير خارجية عربي، معروف بتعامله مع إسرائيل، باختصار واحد من شلة الماسونيين العرب، يشبه الحملة الأطلسية على ليبيا والتي وصفها وزير الداخلية الفرنسي «بالصليبية» بأنها حملة جهادية وواجب شرعي.
وهذا الوزير يقود اليوم حملة اسقاط سورية كدولة مقاومة، لأنها مقاومة لإسرائيل.
يقول سياسي أميركي «ان القنوات التلفزيونية التي تبث بالعربية فعلت مالم تستطع أن تفعله كل جيوش الأطلسي».