فجاءة.. كشرت الغابة عن أنيابها، طافت مخالبها فوق تفاصيل الحدث، هرب الحمام، اختفت الظباء، وتنادت مسافات السهول:
- أسرعوا
هبت الأماكن لاكتشاف فحوى اللغط، تقاذفتها الأنواء وتناولتها أذى، مر شريط الكوارث كابوساً مرعباً جرف الأحياء وهو يضحك. غزيرة كانت سيول الدماء انطلق الموت مارداً يحصد الأناشيد، والمواسم، وجميع النهارات الصافية، تبعثر الأمان، تأرجح بين أرجاء كثيرة.. دمار، خراب، وأرواح مثل سطوع الأقمار تزهق كل حين، ابتلعها غول المؤامرات الخارجية ولم يكترث، هلك الحب، وغاص في أعماق الأعماق، وهو يتلو التساؤل تلو التساؤل، من أوحى للجدران بالتصدع؟.. من حفر في قلب الحصانة ثغرة؟.. ربما كانت الرعونة هي المسؤولة فقد انفلتت من عقالها، وآثرت الحرية المدمرة، وأخذت تصخب:- أنا وبعدي الطوفان.
قلقة أوراقي.. أتعبها البكاء على أحباب أودت بأعناقهم سيوف الرهان. لم يأت الوباء إلينا ببطء ، جاء دفعة واحدة، أذهل الحقول، فصارت كئيبة، وكلمة ، لماذا، مازالت تلوب في أروقة شبه مغلقة، تعانق الحيرة المتناوبة ما بين مد وجزر، وتكرر السؤال:
- ترى.. هل الزمان هو الذي خان، أم إنها ضمائر البشر؟!
أقلب الكلام، فيأتيني الضجيج فاغراً فاه، ويأتيني النزق سمة تسوق أفانين الفجائع، تلوكها مصادر البث محملة بغبار أخبار، تفيق على أثرها الساعات.
وهكذا تتنقل الأمور من تضاد وخلاف ، إلى طين يغزل قمصان الدماء، ينبت الحتف فوقها عشباً خبيثاً ينمو في كل وقت، لتكر السبحة دون حساب، تحصد الرؤوس والأحلام مثل سنابل قمح حصدتها العاصفة.
وطني كتاب مفتوح، أقرأ حروفه المضيئة وأصلي كي نبقى إخوة، يتمشى الأمان في دروبنا أرجوحة تحملنا إلى غيم يهطل مطراً سخياً يغسل الإشكالات التي ولدتها قساوة المرحلة، ليكون الحب دواء شافياً ويصير الزمان نشيداً وطنياً مرصعاً بمفردات العمق التاريخي التي صاغها الإنسان السوري كرماً وأصالة تبني البلد، وتجمع أفراده في حديقة واحدة... هو حلم أتمنى أن يتحقق، أراه فيما يرى النائم كل ليلة: ورود تتفتح على الشرفات، وبشائر بهجة تبهج المهج، وأطفال يزرعون الحياة أغنيات تنبئ بقادم جميل.