تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الامبراطورية الأميركية... بين الإخفاق العسكري والسقوط الأخلاقي

شؤون سياسية
السبت 10-9-2011
حسن حسن

قبل أكثر من عقدين ونيف وفي كتابه صعود الامبراطوريات وسقوطها قدم المفكر الأميركي بول كينيدي رؤيته لسقوط الامبراطوريات

بما أسماه حينذاك بالتمدد العسكري لهذه الامبراطوريات والذي يفوق قدراتها وإمكاناتها الاقتصادية والبشرية فيتحول إلى عبء عليها يقود حتماً إلى تراجعها وانكفائها.‏

ولقد تكرر هذا التعبير على لسان كبار القادة العسكريين والاستراتيجيين الأميركيين كالجنرال جون أبي زيد والجنرال بيتر بابس الذي قال:« إن القوات العسكرية الأميركية في حال تآكل وأنه بسبب تقييدها بطلبات الحرب على العراق وأفغانستان فإنها لمخاطرة كبرى أن تتجاوب بسرعة وبشكل كامل لمتطلبات أزمة جديدة.‏

وفي إشارة إلى حجم العقبات التي يواجهها جيش الاحتلال الأميركي في العراق أعلن فريق بغداد للأدمغة أن الأشهر القادمة هي فرصتنا الأخيرة حيث الخيار المطروح «أنجح أو اترك» وهذا المأزق العسكري الكبير هو الذي دفع صحيفة لوس انجلوس تايمز إلى القول: إن مخططين عسكريين أميركيين بدأوا بإعداد خطة للتراجع تشمل انسحاباً تدريجياً وتركيزاً على تدريب القوات العراقية بالاستفادة من التجربة الأميركية في السلفادور.‏

ولقد توج هذه التحذيرات بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق جيمي كارتر وأحد أكبر المعارضين للحرب على العراق قبل اندلاعها الذي قال في مقالة له بعنوان «خارطة طريق للخروج من العراق» الحرب في العراق كارثة تاريخية استراتيجية وأخلاقية نفذت بموجب افتراضات زائفة وهي تقوض شرعية أميركا العالمية.‏

وليم أوتون أحد الجنرالات الأميركيين المتقاعدين وصاحب الخبرة الاستخباراتية العالية كتب في الواشنطن بوست :«أن النصر ليس احتمالاً أمامنا، وأن المهمة لايمكن تنفيذها ولابد من استراتيجية جديدة».‏

وعلى هذا المنوال، تتكرر الخطب والمقالات والتصريحات من داخل الادارة ومن خارجها عن حجم الفشل العسكري الذي أصاب الامبراطورية الأميركية في العراق وأفغانستان وأصاب قاعدتها الصهيونية الأمامية المدججة في لبنان وفلسطين فهل أن مأزق المشروع الامبراطوري الأميركي ينحصر بالجانب العسكري أم يتعداه إلى مختلف الجوانب الأخرى؟!.‏

في الجانب الأخلاقي مثلاً، كان سقوط المشروع الامبراطوري الأميركي مدوياً على عدة مستويات فالسمة الأخلاقية للحرب على العراق كانت الكذب بكل معاينه كذب في الأسباب (وجود أسلحة دمار شامل وعلاقة النظام العراقي بالقاعدة) وهو كذب سرعان ما انكشف للأميركيين وكذلك الكذب في المعلومات عن هذه الحرب تمثلت بتأسيس دائرة تضليل استراتيجية في البنتاغون كانت مهمتها إخفاء الحقائق وتزييفها خلال الحرب أو بعدها سواء بواسطة إغراء وسائل الإعلام التي تم تخصيص مبالغ مالية خيالية لاستمالتها أو عبر إرهاب الاعلاميين سواء بإغلاق قنوات فضائية وإذاعات وصحف أو حتى تهديدها بالقصف.‏

ولقد رافق الكذب ارتكاب العديد من الجرائم الجماعية والفردية وعمليات انتهاك صريحة لأبسط حقوق الإنسان بما فيها الاغتصاب للفتيات العراقيات وصولاً إلى التعذيب الوحشي كما ظهر في معسكر أبي غريب ومعتقل بوكا في جنوب العراق أو في أقبية وزارة الداخلية ناهيك عن القصف الوحشي لمدن وأحياء وبلدات وقرى على امتداد العراق بالإضافة إلى ذلك فإن إثارة الفتنة العرقية والطائفية والمذهبية بكل تجلياتها بدأت مع اللحظة الأولى لدخول قوات الاحتلال إلى العراق ومعها الطائفية والمذهبية التي تحولت إلى جرائم متعددة الأساليب لكنها موحدة الأهداف لخدمة الاحتلال واستمراره في ظل تلازم معروف قديم وجديد بين الاحتلال والفتنة وفق القاعدة الاستعمارية «فرق تسد».‏

لقد أدى ذلك كله أيضاً إلى أن حوالي أربعة ملايين ونصف من أطفال العراق يعانون من سوء تغذية في بلد كان من أغنى بلدان المنطقة وكان يملك أحد أفضل الأنظمة الصحية في العالم كما أدى إلى تشريد حوالي أربعة ملايين عراقي باتوا اليوم مهجرين أو لاجئين خارج بلدهم أو داخله في عمليات الفرز الديمغرافي المذهبي التي تتم جرائمه تحت سمع الاحتلال وبصره وهو الجهة التي تعتبرها اتفاقيات جنيف الدولية مسؤولة عن أمن المناطق المحتلة وعن سلامة السكان فيها.‏

ولم ينحصر الأمر بالكذب وجرائم وانتهاكات بل تعداه أيضاً إلى توسع عمليات الفساد والإفساد والنهب والسلب والتي بدأت مع الساعات الأولى للاحتلال ومازالت مستمرة فالفضائح المالية داخل العراق تطال العديد ممن جاء بهم الاحتلال وعينهم وزراء ومديرين وغيرها أما الفضائح المالية داخل الإدارة الأميركية كما داخل امبراطوريات المشروع الأميركي فهي أضعاف تلك المرتكبة على يد عراقيين بل أنها تطال شخصيات رفيعة المستوى داخل تلك الإدارة.‏

بالإضافة إلى الإخفاق العسكري والسقوط الأخلاقي فإن نظرة إلى التراجع المذهل للإدارة الأميركية الحالية على الصعيد السياسي داخل الولايات المتحدة وخارجها تبدو كافية لكي ندرك حجم التردي السياسي الذي لحق بهذه الإدارة داخل بلادها كما التردي الذي ألحقته الإدارة ببلادها على المستوى الدولي، فداخل الولايات المتحدة لم يعد خافياً على أحد التراجع المريع في شعبية الرئيس الحالي كما لم يعد خافياً حجم الانقلاب الكبير في المزاج الشعبي الأميركي الذي تشير أفضل استطلاعات الرأي بالنسبة إلى الإدارة أن حوالي ثلثي الأميركيين يرفضون السياسة المعتمدة حالياً.‏

وهكذا تحقق السقوط العقائدي لهذا المشروع جنباً إلى جنب مع السقوط العسكري والأخلاقي والسياسي وفر البحارة من السفينة الغارقة وكان أولهم فوكوياما الذي قدم نقداً لنظريته (نهاية التاريخ) التي روج لها أصحاب المشروع الامبراطوري كثيراً جنباً إلى جنب مع فكرة صدام الحضارات التي كان أول من أطلقها برنارلويس أو المحافظين الجدد وتبناها ودعمها صموئيل هانتيغتون.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية