تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ما تفعله الموسيقا

آراء
الخميس 15-9-2011
حنان درويش

هناك.. وفي بستان جميل بعيد عن ضوضاء المدينة ونزقها اتخذ بعض الأصدقاء الخضرة لباساً لهم، وراحوا يترنمون ببديع الأغاني، حتى أحسوا بأرواحهم تطير لتتوحد مع دوران الأفلاك في تناغم لا أحلى ولا أجمل.

لكن ما أعادهم إلى الواقع فجأة، وهو ما لمحه أحدهم عندما التفت جانباً، فقد شاهد بوضوح أفعى مرقشة الجلد تقبع قربهم ساكنة بشكل مريب، وكأنها فعلاً تنصت إليهم، استنكاراتهم المتلاحقة لوجودها جعلها تنسحب بسرعة، قاطعة المسافات بغمضة عين. حينها تداعى إلى الخواطر ما كانوا قد سمع عن الحاوي الذي يخرج من جرابه ثعباناً يتلوى على لحن مزماره فما الذي تفعله الموسيقا في هذا الكون؟ وأي تأثير عجيب تحدثه في النفوس؟ ومن منا لا يذكر قصة الفارابي الذي عزف فأضحك الحاضرين، ثم أبكاهم ثم أنامهم في وقت محدد.‏‏

لقد أوجد الحكماء الموسيقا، فتعلمها الناس، واستخدموها بادئ الأمر في بيوت العبادة، وفي الصلوات والدعاء كما كان يفعل داوود البني عند قراءة المزامير كي ترقّ القلوب، وتخشع وتخضع وتنقاد لأوامر الله ونواهيه.‏‏

بعد ذلك طورت الموسيقا إثر اكتشاف آثارها المذهلة في الإنسان والحيوان والنبات فقد وجد أن تكاثر النباتات يزداد عندما ننشر في جوها ألحاناً وأنغاماً كما أن اختيار الألحان المناسبة يلعب دوراً كبيراً في السيطرة على الحيوانات وترويضها أما الإنسان، وهو المخلوق الراقي، فقد كان للموسيقا، وعلى مرّ العصور بالنسبة إليه، تأثيرها الفعال.. فمنها ما هو مشجع كقرع الطبول في الحروب، ومنها ما هو مهدئ للنفس كتلك التي تستعمل في علاج الأمراض النفسية، ومنها ما هو مفرح.. إلخ.‏‏

وموسيقانا العربية الأصيلة ذات خصوصية وهي بغنى عن أي تعريف، لأنها تعبر عن تاريخنا وحضارتنا وتجذرنا وإيماننا بالصادق والجميل، وإن كان هناك من يحاول أن يدفع وجه موسيقانا بالتشويه فإن هناك من يدافع عنها بكل ما أوتي من علم ومعرفة وفهم وحسّ حقيقي.. ولنا في هؤلاء كل رجاء.‏‏

من هذا المجال أنطلق إلى الحديث عن مهرجانات الأغنية المحلية فقد كتب الكثير، وسيكتب الكثير، وذلك لأهميتها البالغة في النهوض بالأغنية السورية، حيث يجتهد بعض المهتمين ليخرج المهرجان بالصورة المرسومة لها، ما بين تحضير وإشراف ومتابعة وسط كوادر تضج بالحيوية والنشاط، فقرات جميلة، وموسيقا راقية، وأغانٍ متكاملة كلمة وأداءً ولحناً، وتراث يعاد إحياؤه من جديد على ألسنة مطربينا الشباب، ورغم أنني لا أنحاز كثيراً لفكرة أغنية سورية وثانية مصرية وأخرى خليجية.. إلخ.. المهم أنها أغنية عربية تطربنا وترقي مكنوناتنا، أقول: رغم تعاطفي الشديد مع هذه الفكرة، إلا أنني أسعد للحماسة التي تصب في ساحة المهرجانات.. فهي تعني إحساساً عاماً بأهمية الأغنية في حياتنا، وما يمكن أن تؤديه عبر مسيرة يومنا، من زرع الفرح في نفوسنا، والسمو بمشاعرنا ويعني أيضاً إحساساً عاماً بخطورة الأغنيات التي تنزل إلى السوق عبر «سيديات» و«أشرطة كاسيت» تنتقل بسرعة البرق إلى هواتف الشباب النقالة، دون رقابة، مخربة للأذواق، والتوجه الإنساني، حيث اللحن السريع، والكلمة الهابطة.‏‏

إن قيام مثل هذه المهرجانات إنما هو مؤشر يدل على مكمن الخطر، ويوقف بعض الترهات الحاصلة لكن ما يحز في النفس أن أيام المهرجان المعدودة تنتهي وتنتهي معها هذه الظاهرة الفنية الجميلة، ونعيش أياماً أخرى على ذكراها، ثم ننسى الموضوع حتى يقبل مهرجان آخر يكرّس ما نودي به من قبل.. وهكذا كأنه محتم علينا ألا ننتبه إلى الأخطاء إلا عبر الوقفات.‏‏

إن الأغنية جزء من الثقافة العامة.. وعندما نعنى بثقافتنا الوطنية المتكاملة، وأي أغنية غير لائقة يمكن أن تشير إلى ثقافة متدنية علينا أن نعي ذلك غير متساهلين تجاه أي انحدار.. وكل ما نحتاجه رقابة صارمة تمنع التطاول على الأصالة والتراث والموسيقا الحقيقية.. عندها يمكن القول: إن جيل الشباب يخطو واثقاً نحو مستقبله بذوق غني رفيع.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية