تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


درس الأبطال

آراء
الخميس 15-9-2011
حسين عبد الكريم

المدرسة التي خفنا فيها أول الخوف من أخطاء البراءة والإملاء والنحو والرياضيات وجدول الضرب والجمع والنقصان، جمعتنا وإياه مع فارق السنوات لا يزيد عن جيل واحد.. وكسرات أشواق ريفية، وحكايات حر وبرد وأغنيات برية وبلدية.

كبرت الدروس والسنوات وعرفنا فيما بعد أن الجار الذي يكبرنا في بعض الدروس واللياقات والإحساسات أحب الآنسة سعاد.. وأثمر الحب زواجاً بين الـ «عدنان» والـ«سعاد»...‏‏

ابتعدت أيامنا وأيام الضابط الـ «عدنان» والـ آنسة الـ «سعاد»...‏‏

أيام مع الرماية والسلاح وخبرة العتاد وحماية الكرامة والوطن، وأيام مع الأيام والثقافة والأزمات الوجدانية والكونية والوطنية.‏‏

سكينة الآنسة الشقيقة الوسطى ظلت على صلة بالآنسة سعاد..‏‏

وبقيت الدروس بينهما متجاورة، وبقيت الأيام...والأحزان واللقاءات وأسئلة الحياة والقرابات والآنسات الصديقات والأمهات..الضابط الـ «عدنان» يقود الخطط بنجاح وذكاء وحذر، ويحمي المواطنين والجيش من الأذى..وفي أثناء مروره بين عمله وعمله تستهدفه رصاصات الغدر وسم الجهل والأفكار اليابسة والأمنيات السوداء... وتهطل أمطار بشعة لا تشقى الأشجار وتهاجر في الروح طيور الوطن الزاهية وتنتعش سماء مخلصة وضياء وهواء...‏‏

الدروس الآن أكبر من دروس ابتدائية القرية والخوف ليس من أخطاء الإملاء والحساب والحب أشمل من أي حب آخر، وخوف مسؤول مثل اليتامى الأذكياء الذين يحملون الأعباء.. وإحساس نبيه بسلامة كل كائن وكل حياة وأبناء وبنات..‏‏

الضابط صار درساً في الوطنية وحبه وطني من النوع الجيد جداً.. واتسعت الهموم والهمة وامتلأت النفس بالثقة.‏‏

مدرستنا والمدارس القريبة والبعيدة جاءت لتتعلم درساً وطنياً: الموت من أجل الوطن ليس موتاً بالمعنى الدارج بل هو الذي يحاصر الموت ويخيفه، ويهزم الرعب والجهل ورصاصات الأفكار السامة والأمنيات السوداء..‏‏

درس الشهداء أوضح من جميع الدروس وأشجع .‏‏

ويتفوق على معلومات الحياة العادية والمصير الروتيني..‏‏

ولا يفرق بين طالب وطالب وطالبة وطالبة وجيل وجيل...‏‏

درس الشهداء كبير وغني ويوحد المنهاج الوطني للمهتمين والمقبلين على القلق الوطني..‏‏

درس يبدأ من حالة ونفس ورغبة بالحياة ثم يغدو حياة ومؤلفات نفوس.‏‏

الجار أبو فراس ضابط من دورة الشهيد عدنان الذي وحد الرؤى الوطنية في خبرته وأدائه وحياته، ووحدها أكثر وأكثر بفدائه الوطني الكبير وهل يكون الفداء الوطني إلا كبيراً واستثنائياً؟؟‏‏

الجار الضابط قال للأصدقاء، وهم يستذكرون البطل عدنان الذي كتب درس وطنيته بكامل عمره وحبه وصدق إيمانه.‏‏

الرحيل الذي بهذا المستوى أعلى وأرقى من رحيل يليق بوطني كبير وليتني أوفق إلى رحيل وطني كهذا... أتمنى أن يمنحني قدري الوطني شرف الفداء والدفاع عن أحلام الناس وكرامات المواطنين واستقرار وجود الوطن.. الحلم الحاذق الذي نتدرب على يديه هو أن نكون شرفاء من أجل إنسان محبتنا وقناعاتنا الوطنية وأن ندافع عن الشرف بشرف...‏‏

الصدق والحرص والمحبة من أحسن الخصال التي يحياها المواطن غير الملوث بالأفكار القاتمة والأمنيات القاتلة.. والواقفون على حدود التضحية وحماية وأمن الصدق والحرص والمحبة يتجاوزون المعنى العادي لحياة الناس... يصيرون وجداناً وسياجاً من قوة تعادي الخوف وتقصيه عن حريات الأطفال والكبار والنساء والرجال.. الفداء الكبير معلم فكري وحضاري في الحريات ووعي الشرف وخبرة الكرامة.. وقدر ازدهار الثقة بالنفس الكبيرة يزدهر هكذا...‏‏

كبرت مدرستنا كثيراً كثيراً وكبرت دروسنا بدرس الشهيد الكبير عدنان.. ودرس حبه للآنسة الـ«سعاد» الزوجه وأم الأبناء اختلطت معانيه بالوطن... فصار حباً وطناً.. واسمه لم يعد من اسم وكنية ورتبة عسكرية.. تفوق الاسم على سجل النفوس والكنية صارت علامة وطن والرتبة العسكرية صارت رتبة عالية بمستوى حبه الوطني.‏‏

صار وجيهاً من وجهاء الزمن والمكان: هنا قرية البطل الـ «عدنان» .. وهذه مدينة الشهيد الذي حمى الناس من رصاصات وهمجية الأفكار المعتمة وهذه مدرسته وهؤلاء أساتذته وأصدقاؤه وأهله وأحبابه..‏‏

بالرحيل الشرف كتب البقاء الكريم لجميع الأولاد والعائلات والمدارس.... الغياب الذي يعبر عن الناس يكبر كالناس، ويتخطى العائلة الصغيرة باتجاه الأمانة الوطنية... العلامات الفارقة لا تبقى في إطار شامة في الوجه أو لون في العينين... العلامات تصير في الحلم الوطني والأمنيات الإنسانية وشجاعة المعرفة والمبادرة والخير الكبير... الطيبون الكرماء يعطون الأرغفة والزيت والثمار والثياب.... والطيبون الكرماء الأبطال يعطون القوة ويقتلون الخوف، ويهدون المحبة للمحبين.. من دون أبطال لا يمكن حماية المحبة وقتل الخوف.. ويبدعون بقاءً كريماً... من غير أمان لا طعم للخير والثمار والكرم.‏‏

في القرى والمدن دروس شهداء جديدة تضاف إلى منهاج الحب الوطني والفهم والشرف والكرامة..‏‏

وعند المداخل وحول التلال والسهول، تظهر للعيون كروم وارفه تثقف الأرض بأخلاق الثمار وأحلام الأغصان وعناق أبد الوطن بأبد الناس بأبد الحب العائلي والوطني..‏‏

برحيل واحد يؤلف الأبطال مجموعة متكاملة من الكروم والحب والشرف ويؤلفون بقاءً وأهلاً ودروساً في الطمأنينة والحياة.‏‏

ونحن الأحياء بألف رحيل ورحيل وبقاء وبقاء لا نقدر على تأليف كرم حب ودرس وفاء، تبقى لغتنا أصغر من لغتهم‏‏

الوطن لا يرثي الأبطال لأنهم بقاؤه الكريم وخصال حية تتوارثها الأرض والأجيال والأحلام..‏‏

نتعب في اللغة والشعر ودروس التعبير والرياضيات والعلوم والجغرافيا والتاريخ... ودروس الوطنية والحرية الراقية التي يتركها رحيل الأبطال، تعلم اللغة اللغة والشعر الشعر والجغرافيا الخرائط الجيدة والتواريخ التواريخ... وأكثر من هذا وأكبر لغة تعلمنا كيف نبقى ونكنس السواد والأفكار القاتلة من حروف عطفنا وعلاقاتنا وسلوكنا وتعلم الأخطاء أن تكون صواباً والكراهية أن الحب أرقى بآلاف المرات من الأحقاد..‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية