لو كان الأمر غير ذلك لكان ضغط أميركا والغرب أشد قسوة ولؤماً وكفراً.
للأسف.. مازال هناك من يرفض إعطاء الزراعة الأهمية التي يمكن لها أن تحققه اقتصادياً وفي حياة شعبنا.
هل سمعتم بقصة «مشية الغراب الذي أراد يوماً أن يقلد مشية طائر الحمام الجميلة فلم ينجح وفشل في العودة إلى مشيته الأصلية».
هذا ما فعلته بنا المرحلة الماضية فلا نجحنا في أن نكون بلداً صناعياً ولا تجارياً ولا زراعياً.
إن العودة إلى أرقام الموازنات السابقة تنبئنا بواقع الحال.
سئلت وزيرة خارجية أميركا السابقة «رايس» يوم كانت تجوب المنطقة لرسم ملامح الشرق الأوسط الجديد عن عدم تأثير الضغوط الأميركية على سورية كما هو تأثيرها على مصر فأجابت:
«إن السوريين يأكلون خبزهم من قمح بلادهم».
-2-
في مجلس الشعب كانت تدور بيننا وبين الفريق الاقتصادي للحكومة السابقة حوارات ونقاشات حول الواقع الزراعي وأهمية الزراعة وضرورة توفير عوامل النجاح لها، بدءاً من التسليف إلى تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج إلى مراقبة عملية استيراد الأدوية الزراعية والبذور الزراعية لأن الفساد طالها.. إلى التسويق الداخلي والخارجي وحماية المنتج المحلي من الإنتاج المستورد والمهرب وإلى ضرورة قيام صناعات على المنتج الزراعي وقيام مشاريع داعمة في المحافظات الزراعية التي أصابها الجفاف لتوفير العمل والرزق لأبناء الفلاحين لوقف نزوحهم لأن النزوح شكل لهم وللدولة مشكلات اجتماعية وأمنية وخدمية وبيئية.
-3-
من حق الحكومات السابقة علينا أن نعترف لها بقدرتها على تصنيع الكلام الجميل والوعود الجميلة في أحاديثها عن الحاضر والمستقبل وعن النمو الاقتصادي بالرغم من المرارة التي كان يمر فيها الواقع الاقتصادي.
للأسف كانت الزراعة مهملة وغمرت الأسواق السورية بالبضائع التركية، أحدهم مازح مسؤولاً حكومياً: «بقي عليكم أن تستوردوا لنا زوجات تركيات».
لقد تم استيراد زيت الزيتون من تونس وبلدان عربية وإقليمية في وقت يعاني فيه إنتاج الزيت السوري من الكساد على مدى عامين وتم استيراد البرتقال والفاكهة في ذروة الإنتاج السوري وكذلك تم استيراد الخضار في زمن إنتاج البيوت المحمية.
ويتم استيراد العصائر الصناعية ونحن بلد الفواكه.
-4-
كان هناك إصرار على خلق الأزمات في الزراعة وغيرها حكومات تنتج الأزمات.
مرة رفض شراء القمح بذريعة إصابته بالعفن، ومرة عدم شراء الشعير والذرة لعدم حاجتنا لهما ونحن نستورد الذرة والشعير ومرة تم وقف تصدير البندورة السورية والبرتقال السوري بذريعة حماية المستهلك.
لقد فتح باب الاستيراد على مصراعيه متذرعين بالاتفاقيات. نقول: هناك روزنامة زراعية لأي بلد ونقول بصوت أعلى: «وكل اتفاقية تضر بوطننا نحن بغنى عنها».
مليارات من علب العصائر تستهلك في سورية مصنعة من عصائر مستوردة لا يعلم إلا الله مضارها ونتجاهل هذا الفائض من الفواكه السورية وعلى رأسها البرتقال والعنب والتفاح لماذا الإصرار على ذلك؟! لا إجابة.
-5-
في ثمانينيات القرن الماضي كانت سورية محاصرة من قبل الغرب وتفتقر إلى أبسط احتياجات المواطن، في مرات كثيرة وصلت سورية إلى حد فقدان الدقيق.
فجاء توجه القائد الراحل حافظ الأسد بتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة جداً ودعم الزراعات الاستراتيجية بأسعار مغرية ومجزية ودعم الأعلاف وإقامة السدود والمصارف الزراعية وحماية الإنتاج الزراعي، في سنوات قليلة انتقلنا من الحاجة الحادة إلى الوفرة والفائض الذي باتت تتطلب حلولاً سريعة للأسف.. كل الحكومات السابقة لم تجد الحلول ولم تعالج حالة الإنتاج الوفير في بعض الزراعات بسبب تلك العقلية «الكمبرادورية»، فاتخمت الأسواق السورية بكل مستورد وبات المنتج السوري على الهامش.
رحم الله المهاتما غاندي قال: «إن نهوض الهند يقوم على اعتماد الهنود على ما تنتجه الهند من أرضها ومصانعها».
وها هي الهند اليوم دولة قوية باعتمادها على قدراتها الذاتية في كل المجالات.