في مشفى تشرين تقصدنا الوقوف بين عائلة الشهيد مباشرة وتقصدنا أكثر أن نعطي لفعل النظر حقه بين الحشود المودعة للشهيد كانت أمه.. الأم الثكلى التي تعمدنا الوقوف إلى جانبها وسماع الأنين ما بين الدمعة والدمعة.. وزفرات حركات يديها وهي تقول لنعش ابنها /الله معك يا بني.. تركتني ياضناي.../ إنها تلوح له تارة... وتارة تفيق من الصدمة فتضرب على رأسها من هول الفجيعة... إنه «الضنى» هكذا تخاطبه.. وهكذا تبكيه دون ألقاب إلا من وصفه بالغالي.. الغالي الذي اغتيل في سيارته برصاصة في رأسه من مجرمين استهدفوه لشخصه وللنيل من حماة الوطن ما استطاعوا لذلك سبيلاً..
إنها الشهادة أورثوها لعائلته أما هم فتحت خانة المجرمين والمخربين.. وهنيئاً لنا استشهاد قاماتنا واقفة أمامهم.. الذين انتهوا... قبل أن يبدؤوا, أما لوالدته العزاء الأكبر وهي المتصلبة بآخر صورة رأيناها فيها أمام جثمان ابنها تمسك به بكلتا يديها تهنهن له... وتقول اتركوني معه.. صورة اغمضوا عيونكم وتخيلوها معي أم ثكلى بوشاح أسود ويداها شبه متخشبتان على صندوق الجثمان أما الحديث القائم بينها وبين ابنها: سأبقى عند قدميك ياغالي... إنها أم الشهيد: العميد الركن عدنان زيدان ديب..
هيثم صابر سيف جريح في مشفى حرستا..
إصابته أسفل العمود الفقري.. أما جروحه ففي بطنه شبه خريطة «لم يكن مصدقاً» لوهلة الصور التي تلتقطها عيناه وهو المقاتل في جيش الوطن وهم المخربون لساحاته وشوارعه.. مستغلين شعارات «طنانة ورنانة» ..
على سريره كان يجلس منتظراً ليس لنا.. لكن لأمل يزرعه فيه الطبيب المناوب.. فهل من أمل بالرجوع إلى أهله سيراً على الأقدام أم أن الاصابة ستجعل منه عاجزاً عن الوقوف أمام عائلته ورفاقه ثانية هيثم لم يكن الوحيد الذي قابلناه لكنه كان الأميز بقلبه القوي الصلب كحجارة قريته /السويداء/ وعيناه الصقريتان اللتان لم تجفلهما الاصابة وخيار الشلل الذي سمعه من طبيبه..!
إنه أقوى بحب الوطن وقائده وتصميمه في العودة إلى عائلته وأطفاله الثلاثة الذين لم يدخل أكبرهم المدرسة بعد..
إنه كما كثيرون مثله يضحون.. لنحيا بكرامة وعزة « إنهم جيش الوطن .. إنهم منا وفينا»
طفلي رضيع رأيته مرة واحدة
في مسرابا كانت خلية إرهابية مدججة بالسلاح وأجهزة الاتصالات الحديثة والمنوعة هكذا قال الجندي /المقاتل بشار العبد الله والمصاب بطلق ناري في ساقه والمستعد للخروج من سريره رغم جروحه للوقوف مع رفاقه وتطهير البلد من كل مخرب اشترته المؤامرة الخارجية بمال رخيص رخص نفسه وعاث في البلد فساداً...
بشار تولد اللاذقية -البهلولية متزوج ولديه طفل رضيع لم يره إلا مرة واحدة..
أما أهله فلا علم لهم بالاصابة ولا يحب الحديث عن جرحه لأنه فداء الوطن..
بشار عندما سألناه عن الحادثة قال: لقد كانوا كثراً مجتمعين بطريقة مدروسة ومسلحين ففأجؤونا بعتادهم وقذفونا أول الأمر بـ /المولوتوف/ ثم بدؤوا بإطلاق الرصاص .. حيث أصبت أنا ومن ثم زميلي واستشهد آخرون..
إصابتي نتيجة تظاهراتهم
فادي محسن ونوس من قرية المحروسة تولد 1986 مصاب مثله مثل الكثيرين من زملائه.. يتسامر مع أهل أصدقائه ويتعمد عدم الاتصال بأقاربه على أمل الخروج بسرعة دون أن يسبب الألم لهم..
إنه شاب صغير، قوي العزيمة، مفجوع القلب من حوادث إجرامية باتت شبه عادية بالنسبة للمخربين الذين يتحايلون بلصوصية على الساحات وأمام كاميرات الموبايل.. فتراهم يبدؤون بالتجمع والهتاف بشعارات مكتوبة وشتائم ملفوظة وما أن ينتهي التصوير حتى يحتموا بأطفال يتقدمون المظاهرة ويتوجهون إلينا وجهاً لوجه..
وعندما نحاول ردهم عن الاستمرار في التقدم إلى/ المفرزة/ هنا ستكون ساعة الحسم فالأطفال درع يدركون أننا لن نؤذيهم ومن بين حاراتهم يطلقون النار علينا، تلك كانت خطتهم وتلك كانت نتيجة مظاهراتهم التي يصفونها على الفضائيات بالسلمية..
ما بين مشفى تشرين العسكري وحرستا كانت الحكايا ... وما بين جريح وشهيد كانت الغصة والألم أكبر من أن يوصف إنها الجريمة بحق والعنوان الأبرز...
ما بين شهيد وجريح كان هناك أمل.. أمل تستمده من شموخ جنود ورثوه من قاسيون....
ومن إصرار شعب قرر العيش حراً كريماً دون إملاءات خارجية...